ازدياد الحاجة “للعلاج النفسي”.. الآلاف يعانون من صدمات الحرب والأزمات
داما بوست | شام مهنا
كثرت مسببات الصدمات النفسية خلال عقد ونيف من الزمن، عانى فيه مواطنو\ات سورية من سلسلة تأثيرات ساهمت بتردي واقع الصحة النفسية عامةً عند نسبة كبيرة من السكان، بداية من الحرب وتداعياتها، وصولاً إلى انهيار المنظومة القيمية في المجتمع بشكل غير مسبوق وكثرة جرائم القتل أو التعنيف، وما زاد الحال سوءاً الأزمة الاقتصادية وتبعاتها المباشرة على حالة الناس النفسية وقدرتهم على التطور أو حماية أنفسهم من المؤثرات الخارجية.
ويرى خبراء الصحة النفسية، أن أثر الحرب والأزمات المتراكمة، لم يكن أقل تأثيراً من نتائج الكوارث الطبيعية التي حصلت أيضاً، كالحرائق التي أتت على مساحات واسعة في أرياف المحافظات الوسطى والشمالية وتكررت خلال السنوات الماضية، ناهيك عن أثر زلزال السادس من شباط العنيف على نفسية عشرات آلاف السكان، لا سيما في حلب واللاذقية وحماة.
وبحسب تأكيد المعالجة النفسية روز بهلول لـ “داما بوست” فإن الحرب أدت إلى ظهور حالات تحتاج إلى تدخل نفسي، ومن الصعب إيجاد إحصائيات تحدد عدد الأشخاص الذين أصبحوا بحاجة إلى خدمات صحية ونفسية، ولكن الفئة العمرية الأكثر قدوماً إلى عيادات ومراكز العلاج النفسي في فئة الشباب وتحديداً بين الـ 20 و25 عاماً، وعرفت “بهلول” الصدمة النفسية التي أصابت كثيرين، بكونها أحد نتائج التعرض للأحداث الصادمة من قتل وتدمير، والتي هددت حياتهم أو حياة المقربين منهم.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية إن الأحداث المؤلمة وفواجع الفقدان والحروب والكوارث الطبيعية والتعرض للعنف والاغتصاب، تتسبب في مشاكل نفسية كثيرة مثل الاكتئاب والاضطراب والقلق وهذه الحالات بحاجة إلى الدعم النفسي والإحالة إلى مرافق العلاج المتقدم مثل العلاج المعرفي السلوكي، وفي هذا الصدد حاولت الجهات الحكومية بذل جهود عديدة، لمواكبة الحاجة إلى الدعم النفسي.
وبلغت خدمات الصحة النفسية لمديريات الصحة والهيئات المستقلة لعام 2019 بحسب بيانات الصحة: مرضى الاكتئاب 31401 بنسبة 23.2 %، واضطرابات الشدة 6759 بنسبة 5.0 %، والذهانات 18202 بنسبة 13.5%، والاضطرابات السلوكية بنسبة 2.4%، أما محاولات الانتحار بلغ مجموعها الكلي 432 بنسبة 0.3%، وغيرها من الحالات الأخرى مجموعها 16244 حالة بنسبة 12.0%، وكانت النسبة المئوية للمستفيدين من الخدمات الصحية 65438 من الذكور، و 69804 من الإناث، 21171 من الأطفال، و114071 بالغين، وذلك بنسبة مختلفة بين 48.3% ذكور، و51.7% إناث، 15.7% أطفال، 84.3% بالغين.
ونوهت الأخصائية التربوية والاجتماعية أ.لينيت يوسف في تصريح لـ “داما بوست” إلى أنه لا بد من التوقف عند نقطة هامة وهي الصدمة النفسية التي سببتها الحرب عند الكثيرين، وهنا نشير إلى “إعادة الحدث أو تكرار التذكر” المرتبط بمكان معين أو حادثة معينة سببت لصاحبها القلق والخوف وهذه جميعها مؤشرات لوجود صدمة نفسية حقيقية تستدعي العلاج، حيث أدت الحرب لحدوث اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة تعرض المتضررين لفقدان شخص عزيز أو التواجد ضمن أحداث مؤلمة، ولكن هذه الحالة “اضطراب ما بعد الصدمة” هي الأشد من الصدمة بذاتها، وهي الأكثر شيوعاً لأن الأشخاص في مجتمعنا يخافون من التعبير والاعتراف بوجود مشكلة نفسية تستدعي المتابعة والعلاج.
وتؤكد “يوسف” ارتفاع عدد الحالات التي تحتاج إلى تدخل نفسي بعد الحرب، وأن أغلبها حالات من القلق والخوف، وتحديداً النساء اللواتي تعرضن لحالات فقدان، ومنهن من تعرضن أيضاً للخطف والاعتداء والخوف من الأصوات نتيجة تواجدهن بالأماكن التي احتدمت فيها المواجهات، وشددت الأخصائية النفسية على ضرورة إحالة مرتبكي جرائم القتل إلى العلاج السريع، وهنا تحديداً لا يجب أن يكون هناك تساهل أو تهاون من الناحية الصحية أولاً والقانونية ثانياً.
وتضيف الطبيبة الأخصائية في علم النفس د.زينب العاصي في حديث لـ “داما بوست” أن ساهمت في خلق بيئة خصبة لظهور أي اضطراب نفسي، وفيما يخص الإجراءات المتبعة من قبل وزارة الصحة فكانت جيدة، والكوادر الطبية تؤدي واجبها بشكل دقيق سواء بوصف الدواء المناسب أو بتحديد نوع الحالة وكيفية التعامل معها، كحالة الـ “ذهان” التي تعد من أصعب الحالات النفسية لأن المريض في هذه الحالة يفقد اتصاله بالواقع فيعاني من هلاوس وأوهام وأفكار وسلوكيات غير منظمة وكلام غير متسق.
ولفتت العاصي خلال حديثها إلى نقص عدد الأخصائيين والكوادر مقارنةً بباقي الاختصاصات في سورية، مؤكدة على ضرورة وأهمية وجود خط ساخن لقطاع الصحة ومتابعة جميع الحالات دون الاستخفاف بأيٍ منها.
وكانت “وزارة الصحة” أطلقت خدمة الخط الساخن للاستشارات النفسية منذ شهر تشرين الأول عام 2022، وشهد الخط إقبالاً بعشرات الاتصالات بشكل يومي، وتهدف هذه المبادرة بحسب مسؤولي وزارة الصحة إلى تعزيز الصحة النفسية وتوفير خدمة الاستشارة بكادر مختص على مدار الساعة من مختلف المحافظات.