القطاع الصناعي في سوريا بين التعافي والتحديات: جهود حكومية وانتقادات صناعيين
يمر القطاع الصناعي في سوريا بمرحلة دقيقة تتأرجح بين محاولات التعافي وضغوط كبيرة تعيق النمو، في وقت تسعى فيه الحكومة السورية إلى إعادة تشكيل بيئة الاستثمار الصناعي عبر تحديث القوانين وتحسين أداء المدن الصناعية، وسط تحديات تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع البنية التحتية ونقص اليد العاملة.
جهود حكومية لتطوير الاستثمار الصناعي
عملت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية خلال عام 2025 على ترسيخ بيئة استثمارية أكثر تنظيماً وحداثة، من خلال تطوير القوانين والتشريعات وتعزيز القدرات الإدارية والتشغيلية لدعم الصناعيين والمستثمرين.
وشملت الإجراءات:
- إصدار دليل استثمار موحد للمدن الصناعية ودليل خاص بالصناعيين والمستثمرين.
- الإشراف على فتح باب الاستثمار ومتابعة الطلبات وفق قانون الاستثمار الجديد.
- تحديد التعرفة المعيارية للمقاسم الصناعية ورسوم الطلبات المباشرة.
- تبسيط الإجراءات ووضع خارطة استثمارية واضحة وتحديث نظام المخالفات وضبط البناء.
التحول الرقمي والتعاون الدولي
ضمن مسار التحول الرقمي، بدأت الوزارة العمل على تصميم منصة إلكترونية متكاملة تربط المدن الصناعية ببعضها وبالجهات الحكومية وغرف الصناعة والتجارة وهيئات الاستثمار، بهدف تسهيل الخدمات الإلكترونية للمستثمرين.
وعلى الصعيد الدولي، فُتحت قنوات تعاون مع السعودية وتركيا والأردن لتبادل الخبرات، إضافة إلى العمل مع منظمة UNIDO لتطوير المدن الصناعية، وبرنامج UNDP لتمويل إعادة تأهيل خمس مناطق صناعية متضررة في حلب وإدلب ودرعا وحمص.
انتقادات لخلل الأولويات
يرى الصناعي تيسير دركلت أن الوزارة بذلت جهوداً ملموسة، لكنها أخفقت في ترتيب أولوياتها، مشيراً إلى محافظة حلب التي تضم مدينة صناعية واحدة فيها نحو 800 معمل فقط، مقابل ما بين 16 و18 ألف منشأة صناعية وحرفية داخل المدينة.
وأوضح أن هذه المنشآت تشغّل عدداً أكبر من العمال مقارنة بالمدينة الصناعية، وتتمتع بقربها من الخدمات اللوجستية، لكنها تعاني من نقص الكهرباء، حيث لا تتجاوز ساعات التغذية 10 ساعات يومياً، مقابل 24 ساعة في المدن الصناعية وبالسعر نفسه، ما يرفع تكاليف الإنتاج ويضعف القدرة التنافسية.
الاستثمار الصناعي بين الطموح والواقع
من جهته، قال الدكتور زكوان قريط، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، في حديثه لـ “عنب بلدي” إن السياسات الحكومية تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات السورية، عبر إزالة العقبات أمام المستثمرين.
لكن الصناعيين يشيرون إلى أن الاقتصاد السوري كان يعمل سابقاً ضمن بيئة شبه مغلقة، بلا استثمارات خارجية أو حوكمة واضحة، ما جعله أقرب إلى “اقتصاد كفاية” لا اقتصاد استثمار، في ظل الحرب والعقوبات وهجرة الكفاءات.
تحديات تعيق تطور الصناعة
يواجه القطاع الصناعي تحديات كبيرة، أبرزها:
1- ارتفاع أسعار الطاقة.
2- تدهور البنية التحتية للكهرباء والمياه والاتصالات.
3- نقص التمويل وارتفاع التضخم.
4- فجوة في سوق العمل نتيجة هجرة اليد العاملة الشابة.
5- كما يشكل الفرق الكبير في الأجور بين الداخل والخارج عائقاً أمام عودة العمالة الماهرة.
متطلبات المرحلة المقبلة
يرى الصناعيون أن المرحلة الحالية تتطلب:
1- الحد من الاستيراد للسلع المنتجة محلياً.
2- رفع الرسوم الجمركية على السلع المنافسة مؤقتاً لحماية الإنتاج المحلي.
3- دعم التعليم التقني والمهني وإدخال التكنولوجيا الحديثة.
وأشار الدكتور قريط إلى أن إلغاء قانون “قيصر” في 11 كانون الأول يفتح آفاقاً جديدة أمام الاستثمار الأجنبي وتوسيع الشراكات الدولية، ما قد يسهم في تحسين المناخ الاستثماري وإنعاش الاقتصاد السوري.
آفاق مستقبلية
يؤكد خبراء أن نجاح السياسات الاقتصادية مرهون بقدرة الحكومة على مواجهة التحديات الهيكلية، وبناء شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، ووضع استراتيجية طويلة الأمد لتحقيق الاستقرار والنمو الصناعي في سوريا.
اقرأ أيضاً:روسيا تسعى لتثبيت نفوذها الاستراتيجي في سوريا بعد عام على التغيير السياسي
إقرأ أيضاً: شركة حبوب روسية تقاضي دمشق وتطالب بـ 135 مليون دولار