“حمى” الكنوز تفتك بآثار دمشق وسط فوضى أمنية
تشهد دمشق ومحيطها تصاعداً “غير مسبوق” في عمليات التنقيب “غير الشرعي” عن الآثار والكنوز المدفونة، التي تستهدف مواقع تعود للحقب الرومانية والبيزنطية واليهودية والعثمانية. وباتت هذه الظاهرة، التي كانت تجري بسرية تامة، “شبه علنية”.
الأسباب والتفسيرات:
يعزو محللون هذا النشاط المتزايد إلى عاملين رئيسيين:
- الانفلات الأمني: الناتج عن حل الأجهزة الأمنية والشرطية السابقة وتشكيل أجهزة جديدة.
- شائعة القانون الجديد: التي تزعم أن قانون مكافحة البحث عن الآثار قد تغير، وأصبح يسمح بالتنقيب مقابل حصول الدولة على “الخُمس” من قيمة المكتشفات الذهبية أو الأثرية، وهو ما نفته المحامية انتصار غصون مؤكدة أن القانون لم يتغير.
أنواع الكنوز وأساليب التنقيب:
يوضح المنقبون أن الكنوز تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- الآثار الرومانية والبيزنطية: وهي عادة مدافن تضم ليرات ذهبية بيزنطية مدفونة مع الجثامين.
- الكنوز اليهودية: وتتضمن ليرات رشادية ومقتنيات ثمينة.
- الطّمائر العثمانية: وهي صناديق دفنها العثمانيون أثناء انسحابهم، قد تصل الواحدة منها إلى ألف ليرة ذهبية عثمانية، وتكتشف على أعماق سطحية نسبياً.
ويعتمد المنقبون، مثل “أبو وليد”، على أجهزة ترددية متطورة ترسل موجات مغناطيسية لتصوير المنطقة بتقنية الأبعاد الثلاثية وتحديد نوع المعدن وقيمته والتغيرات الجيولوجية في التربة وفق تصريح لوكالة “نورث برس.”
الجانب الغيبي والمخاطر:
لا يغيب الجانب الخرافي عن قصص التنقيب؛ إذ يشير “أبو ميار” إلى أن بعض المدافن “مرصودة بالجن” لحمايتها. ويسرد قصته في التعامل مع “شيخ” للتفاهم مع الجان الراصدين بعد أن شعر العمال بضيق في التنفس وصداع.
ويُحذّر المنقبون من “لحظة العثور على الكنز” بوصفها “لحظة خطيرة”، فغالباً ما تؤدي إلى خلافات قد تتطور إلى استخدام الأسلحة النارية وسقوط قتلى، كما حدث في حادثة القلمون الغربي التي رواها “أبو وليد”. ويُشير “أبو ميار” إلى أنه تم سجنه لسنوات بعد مصادرة كنز (جرة ليرات يهودية) كان قد عثر عليه في فترة النظام السابق رغم عمله برعاية أحد ضباط الأمن.
القانون لم يتغير والعقوبات قائمة:
تؤكد المحامية انتصار غصون أن القانون السوري لم يتغير، وأن العقوبات لا تزال سارية بموجب:
المادة 56 من قانون العقوبات: التي تعاقب بالسجن من 15 إلى 25 سنة على تهريب الآثار أو الشروع فيه.
المادة 57: التي تعاقب بالسجن من 10 إلى 15 سنة على سرقة الآثار أو إجراء التنقيب عنها، وتشدد العقوبة في حال إلحاق ضرر جسيم بالأثر.
تحذيرات من طمس الهوية الثقافية:
حذّرت الباحثة في الآثار ابتسام المغربي من خطورة هذه الحفريات “العشوائية” التي وصفتها بأنها تعكس ضعف الإدارات البلدية والأثرية ووزارة الثقافة في مكافحة هذا التعدي. وأشارت إلى أن هذه الحفريات قد “تطمس جزءاً مهماً من الهوية الثقافية”، بدلاً من إضافة أثر فريد لتاريخ البلاد. ودعت المغربي إلى “يقظة وزارتي الثقافة والداخلية” وتطبيق القوانين لحماية الإرث الحضاري السوري.
وبين الحلم بالثراء والمخاطر والخرافة، تبقى دمشق مسرحاً لسباق “محموم” نحو الماضي يهدد بهوية حضارة عمرها آلاف السنين.
اقرأ أيضاً:الآثار السورية تُنهب على العلن .. تحذير دولي من تفاقم تهريب الآثار
اقرأ أيضاً:جهود مكثفة لإنقاذ وترميم الآثار في حمص