تعاون مصرفي سوري–سعودي يفتح آفاقاً جديدة لمواجهة التحديات
في ظلّ مساعٍ سورية لاستعادة التوازن المالي بعد سنوات من التراجع والانكماش، برزت بوادر شراكة مصرفية مع السعودية، مع ما تحمله من فرص لتعزيز القطاع المالي المحلي ومواجهة التحديات المتراكمة. فقد التقى حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، عدداً من كبار مسؤولي البنوك السعودية على هامش مؤتمر “موني 20/20 الشرق الأوسط” الذي استضافته الرياض مؤخراً، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة من حيث طبيعة الملفات التي طُرحت على الطاولة.
اللقاءات لم تقتصر على القضايا التقليدية للرقابة المصرفية، بل توسعت لتشمل مجالات التقنية المالية، ونظم المدفوعات، وتنظيم التحويلات، في محاولة لمدّ جسور تعاون تتيح بناء قطاع مصرفي أكثر مرونة في مواجهة الضغوط. وخلال اجتماعه مع محافظ البنك المركزي السعودي أيمن بن محمد السياري، جرى الاتفاق على فتح قنوات دعم فني وتدريبي لمصرف سورية المركزي، وتبادل الخبرات في مجالات الرقابة والإشراف، إلى جانب تطوير أدوات السياسة النقدية وتسهيل المدفوعات. كما اتفق الجانبان على استمرار التواصل وإجراء زيارات متبادلة خلال الفترة المقبلة لتعميق أطر التعاون.
واقع متناقض بين الرياض ودمشق
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي السعودي نمواً ملحوظاً، وفق بيانات حكومية أظهرت ارتفاع الأرباح التشغيلية للبنوك بنسبة 9.5% عام 2023، مدفوعة بالإيرادات غير المرتبطة بالفائدة، إضافة إلى زيادة صافي هامش الفائدة بنسبة 3.1%، ما يعكس كفاءة عالية في إدارة الأصول والالتزامات.
في المقابل، يمرّ القطاع المصرفي السوري بمرحلة صعبة، إذ تراجع إجمالي الودائع من نحو 124.8 مليار دولار عام 2010 إلى 20.3 مليار دولار فقط خلال سنوات الأزمة، متأثراً بالحرب والعقوبات وتراجع الثقة بالعملة المحلية. ومع ذلك، سجّلت بعض البنوك الخاصة مؤشرات إيجابية في نهاية 2023، ما دفع مراقبين إلى الحديث عن إمكانية انتعاش تدريجي، ولو محدود، في حال توفرت بيئة داعمة.
قراءة اقتصادية للتعاون الجديد
الخبير الاقتصادي السوري أنس فيومي اعتبر في تصريح لـ”العربي الجديد” أن فتح قنوات التعاون مع البنوك السعودية “خطوة مهمة من شأنها تطوير القدرات التقنية والرقابية للمصارف المحلية”، مشيراً إلى أن تعزيز الخبرة في مجالات التقنية المالية قد يساعد على تحسين كفاءة العمليات المصرفية، وتأمين التحويلات بشكل أكثر شفافية وأماناً. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “التحديات تبقى كبيرة في ظلّ القيود المفروضة على الاقتصاد السوري، ما يجعل من الضروري إرفاق هذه الخطوات بخطط تنفيذية واضحة تضمن الاستفادة الفعلية”.
ويرى فيومي أن تطبيق التجربة السعودية في سورية “ممكن من الناحية النظرية”، لكنه مشروط بوجود بيئة اقتصادية وسياسية أكثر استقراراً، وتحديث التشريعات المصرفية، وتطوير البنية التحتية الرقمية. وأضاف أن التحدي الأكبر يكمن في “إعادة بناء الثقة بالنظام المصرفي المحلي، وجذب الاستثمارات الضرورية لتحقيق تحول حقيقي”.
إصلاحات محدودة واحتياجات متزايدة
يحاول مصرف سورية المركزي منذ سنوات تحسين الأداء عبر جملة من الإجراءات، شملت تعديل أسعار الفائدة لتشجيع الادخار، وفرض قيود مؤقتة على السحب والتحويل، إلى جانب تنظيم العمليات بين البنوك للحد من المخاطر النظامية. كما أطلق برامج لدعم المصارف الصغيرة والمتوسطة، ورفع مستوى الرقابة على القروض والتمويلات بهدف تقليل القروض المتعثرة.
غير أن هذه الإجراءات، بحسب المراقبين، بقيت محدودة الأثر في ظل ضعف السيولة واستمرار تآكل الثقة. وهو ما يجعل التعاون مع خبرات خارجية مثل السعودية عاملاً داعماً لا غنى عنه لتطوير النظام المالي السوري على المدى المتوسط.
بين الطموح والتحدي
يقف القطاع المصرفي السوري اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن ينجح في استثمار الانفتاح على التجربة السعودية لتعزيز قدراته التقنية والرقابية، أو يبقى رهينة القيود الداخلية والخارجية التي كبّلته طوال السنوات الماضية. وبينما لا يمكن للتعاون الجديد أن يحلّ كل الأزمات المالية دفعة واحدة، إلا أنه يشكّل بداية قد تعيد بعض التوازن للنظام المصرفي، وتفتح نافذة أمل أمام مرحلة إصلاحية طال انتظارها.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة