سوريا تحت المجهر: تحليل شامل للانتهاكات الحقوقية اليومية (14-15 سبتمبر 2025)

يقدّم هذا التقرير تحليلاً شاملاً للوضع الحقوقي في سوريا خلال فترة 24 ساعة الممتدة من 14 إلى 15 سبتمبر 2025، استناداً إلى بيانات موثّقة من المركز الدولي للحقوق والحريات.

يتجاوز التحليل مجرد سرد الانتهاكات إلى الكشف عن الأنماط الممنهجة والجهات المسؤولة التي تقف خلفها، ويقيّم هذه الأفعال في إطار القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

يسلّط التقرير الضوء على تآكل سيادة الدولة، وتغوّل القوى غير الرسمية، واستغلال الفراغ الأمني من قبل أطراف متعددة، مما يؤدي إلى تفشي ثقافة الإفلات من العقاب

جدول إحصائي للانتهاكات الموثقة

يُظهر الجدول التالي توزيعاً للانتهاكات الموثقة حسب نوعها، وانتشارها الجغرافي، والجهات المنفذة لها، مقدماً لمحة سريعة عن طبيعة الأزمة الحقوقية في سوريا.

 

نوع الانتهاك عدد الانتهاكات توزيع المحافظات الجهات المنفذة
القتل خارج نطاق القضاء واستهداف المدنيين 4 حلب (2)، حمص (1)، ريف دمشق (1) القوات الأمنية الحكومية، فصائل مسلحة، جهات غير معروفة
الاختفاء القسري 7 حلب (2)، ريف دمشق (3)، حمص (1)، درعا (1) مجموعات مسلحة، أجهزة أمنية، جهات غير معروفة
الاعتقال التعسفي 2 حمص (1)، القنيطرة (1) القوات الحكومية، قوات الاحتلال الإسرائيلي
التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 2 حمص (1)، ريف دمشق (1) الأجهزة الأمنية، جهات مجهولة
التمييز والاضطهاد على أساس ديني/طائفي/قومي/جندري 4 حلب (2)، ريف دمشق (1)، طرطوس (1) القوات الحكومية، فصائل مسلحة، قوات احتلال
التهجير القسري وتغيير البنية السكانية 1 حلب (1) الحكومة التركية، فصائل مدعومة منها
الحرمان التعسفي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1 ريف دمشق (1) القوات الرديفة الحكومية
الاعتداء على السيادة والسلامة الإقليمية 6 القنيطرة (5)، ريف دمشق (1) الحكومة الإسرائيلية
انتهاك الحق في السكن والملكية 1 حلب (1) الحكومة التركية والفصائل المسلحة التابعة لها
خطاب الكراهية والتحريض على العنف 1 طرطوس (1) القوات العسكرية الحكومية
الهجمات العشوائية ضد المدنيين 1 حلب (1) القوات الأمنية الحكومية
الإجمالي 30

 

نوع الانتهاك الجهة المحافظة الحي أو القرية
السطو المسلح، حرمان تعسفي من الممتلكات، تمييز قائم على الهوية الحكومة السورية ريف دمشق طريق دمشق – السويداء
الاعتقال التعسفي، القتل تحت التعذيب، جريمة قتل خارج نطاق القانون الحكومة السورية حمص قرية لفتايا
الاختفاء القسري، استهداف قائم على الهوية القومية الحكومة السورية حلب محيط دير حافر
القتل خارج نطاق القانون، قتل امرأة حامل وجنينها الحكومة السورية حلب ناحية تل الضمان
التهديد باستخدام القوة، التمييز الطائفي، الابتزاز المنظم الحكومة السورية طرطوس بانياس – قرية تعنينا
الاختفاء القسري، الحرمان التعسفي من الحرية مجموعات مسلحة قوات رديفة درعا بلدة دير البخت
الاختفاء القسري، استهداف قاصر مجموعات مسلحة قوات رديفة حمص الطريق بين حي النازحين وحي عكرمة
الاختفاء القسري، الابتزاز المالي، تهديد حياة أطفال مجموعات مسلحة قوات رديفة ريف دمشق الريف الجنوبي
الاختفاء القسري، الحرمان التعسفي من الحرية مجموعات مسلحة قوات رديفة ريف دمشق مدينة قطنا – مساكن قطنا
القتل خارج نطاق القانون، انتهاك الحق في الحياة مجموعات مسلحة قوات رديفة حلب مدينة حلب – حي السكري
انتهاك سيادة دولة، اعتقال تعسفي عبر الحدود، اختطاف الجيش الإسرائيلي القنيطرة بلدة الرفيد – محيط تل الأحمر
توغل عسكري، خرق لاتفاق فصل القوات الجيش الإسرائيلي القنيطرة قرية عين زيوان
توغل عسكري غير مشروع، خرق لاتفاقية فصل القوات الجيش الإسرائيلي القنيطرة محيط قرية المشيرفة
خرق المجال الجوي لدولة ذات سيادة الجيش الإسرائيلي ريف دمشق مدينة الكسوة – المجال الجوي
توغل بري بالمدفعية، انتهاك سيادة دولة، جريمة عدوان الجيش الإسرائيلي القنيطرة الشريط الحدودي
استمرار الاحتلال العسكري، تمييز قومي، منع العودة، استيلاء على الممتلكات الجيش التركي حلب منطقة عفرين
انتهاك الحق في السكن والملكية، استيلاء على الممتلكات الحكومة التركية والفصائل المسلحة التابعة لها حلب المنطقة الحدودية

 

تحليل الأنماط السائدة: ما وراء الأرقام

تُظهر البيانات الموثقة نمطاً من الانتهاكات لا يقتصر على حوادث فردية، بل يعكس تفككاً عميقاً في منظومتي الأمن والقانون.

تتجاوز هذه الانتهاكات الصراع التقليدي بين أطراف النزاع، لتتحول إلى سلوك ممنهج ومتكرر يهدف إلى ترويع المدنيين واستغلالهم، مما يشير إلى أزمة بنيوية في إدارة الأمن والمجتمع.

الاختفاء القسري: أداة ممنهجة للترهيب والابتزاز

يشكل الاختفاء القسري أحد أبرز الأنماط السائدة التي وثقها التقرير، حيث تم تسجيل 7 حالات خلال 48 ساعة فقط.

وتتوزع هذه الحالات جغرافياً على محافظات درعا وحمص وريف دمشق وحلب، مما يدل على أن هذه الجريمة ليست محصورة في منطقة واحدة بل هي ظاهرة منتشرة.

وتشمل الضحايا فئات شديدة الهشاشة، مثل شاب في درعا، وفتاة قاصر تبلغ من العمر 17 عاماً في حمص، وشابة أخرى في ريف دمشق، وطفلين في ريف دمشق، وشاب في حلب.  

إن هذه الجرائم، التي تتكرر بوتيرة مقلقة وتستهدف فئات ضعيفة مثل القاصرين والنساء، تشير إلى أنها ليست مجرد حوادث عشوائية، بل هي تكتيك مقصود.

يكشف حادث اختطاف الطفلين في ريف دمشق، مع طلب فدية مالية وتهديد بقتلهما، عن البعد الاقتصادي لهذه الجريمة، حيث يتم استغلال الفراغ الأمني لتحقيق مكاسب مالية من خلال الابتزاز المنظم.

هذا النمط من الترويع الممنهج، الذي يستهدف السكان المدنيين بشكل واسع النطاق، يدفع بهذه الأفعال إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية وفق المعايير الدولية

الجهات المسؤولة عن الانتهاكات: تحليل معمق

يبيّن التقرير أن الانتهاكات لا تقتصر على طرف واحد، بل هي نتيجة لتورط جهات متعددة، بما في ذلك القوات الحكومية والفصائل المسلحة وقوى إقليمية ودولية.

القوات الحكومية السورية الانتقالية والقوات الرديفة لها

تُظهر الحوادث الموثقة أن القوات الحكومية السورية وقواتها الرديفة تعمل كجهة فاعلة مركبة ومزدوجة.

فمن جهة، هي مسؤولة عن حوادث القتل خارج نطاق القانون، كما في حالة مقتل المرأة الحامل وجنينها في حلب ، والتعذيب المفضي إلى الموت كما حدث للمواطن بسام ديوب في حمص.

ومن جهة أخرى، هي تستخدم قواتها الرديفة لارتكاب جرائم منظمة، مثل السطو المسلح على المدنيين على أساس هويتهم الدينية في ريف دمشق، والتهديد باستخدام القوة والعقاب الجماعي والابتزاز في طرطوس.  

يسمح هذا السلوك الهجين للسلطات الرسمية بالحصول على مكاسب مادية وسياسية، مع إمكانية التنصل من المسؤولية المباشرة عن الجرائم من خلال القول إنها من فعل مجموعات “غير منضبطة” أو “خارجة عن القانون”، في حين تستفيد من هذا السلوك وتقرّه بشكل ضمني.

المجموعات المسلحة وقوات الأمر الواقع

في المناطق التي يضعف فيها نفوذ الدولة المركزية، تملأ المجموعات المسلحة الفراغ الأمني، لكنها تفعل ذلك بأساليب إجرامية وتهدف إلى ترويع السكان.

ويُظهر التقرير أن هذه المجموعات هي المسؤولة عن معظم حالات الاختفاء القسري المسجلة.

فالخطف والابتزاز المالي، كما حدث مع الطفلين في ريف دمشق، يمثلان نمطاً شائعاً لهذه المجموعات التي تعمل كعصابات إجرامية أكثر من كونها كيانات سياسية.

كما أن قتل الشابة في حلب وإلقاء جثتها في مكان عام، يشير إلى عدم وجود أي رادع أو منظومة قضائية يمكن أن تحمي المدنيين في هذه المناطق.

الجيش الإسرائيلي

يوثّق التقرير 6 انتهاكات للسيادة السورية من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي تتراوح بين خرق المجال الجوي في ريف دمشق والتوغلات البرية في القنيطرة.

ويبرز التقرير نقطة محورية هي أن هذه التوغلات لم تعد مجرد أعمال عسكرية محدودة، بل تحولت إلى ما يمكن اعتباره “جريمة عدوان” وتغيير في قواعد الاشتباك.  

ويُعد دخول وحدات مدفعية ومدرعات إسرائيلية إلى عمق الأراضي السورية للمرة الأولى منذ حرب 1973، مؤشراً على تحول استراتيجي من مجرد الهجمات الجوية المحدودة إلى توغل بري مباشر.

ويشير هذا السلوك إلى نية إسرائيلية في تثبيت واقع ميداني جديد وتوسيع نفوذها بشكل تدريجي وغير معلن على الشريط الحدودي، وهو ما يخرق بوضوح اتفاق فصل القوات لعام 1974 وميثاق الأمم المتحدة

الحكومة التركية والفصائل الموالية لها

يستمر الاحتلال التركي لمنطقة عفرين، وتُظهر الوقائع الموثقة أن تركيا تستخدم استراتيجية معقدة وغير مباشرة للسيطرة على المنطقة.

فعلى الرغم من أنباء عن “انسحاب جزئي”، إلا أن الوجود العسكري التركي المباشر في قواعد رئيسية لم يتغير، فيما تواصل الفصائل الموالية لها، مثل “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فيلق الشام”، ارتكاب انتهاكات منهجية.

وتشمل هذه الانتهاكات منع السكان الأكراد الأصليين من العودة إلى منازلهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وممارسة الابتزاز والاضطهاد على أساس هويتهم القومية.

إن الحفاظ على هذه الفصائل المرتبطة بشكل مباشر بتركيا مالياً ولوجستياً، يمكّن أنقرة من تحقيق أهدافها في التغيير الديمغرافي والاضطهاد القومي مع تجنب تحمل المسؤوليات الكاملة كقوة احتلال بموجب القانون الدولي، مما يجعلها نموذجاً لـ “الاحتلال بالوكالة”

توصيف الانتهاكات في إطار القانون الدولي

تندرج الأفعال الموثقة في هذا التقرير ضمن تصنيفات قانونية خطيرة، وتتجاوز كونها مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان لتصل إلى مستوى الجرائم الدولية.

جرائم ضد الإنسانية

إن النمط الممنهج والواسع النطاق من الهجمات ضد السكان المدنيين، كما يظهر في حالات الاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاضطهاد على أسس قومية ودينية، يمثل جرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي

تُمثل الأفعال التي قامت بها الجهات الفاعلة انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

فالأفعال العسكرية الإسرائيلية، وخاصة التوغلات البرية بالمدفعية ، تُصنف كـ “جريمة عدوان” بموجب تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار 3314 لعام 1974)

ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتخرق بوضوح المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة.

كما أن ممارسات التهجير القسري والاستيلاء على الممتلكات التي تقوم بها القوات التركية والفصائل التابعة لها في عفرين ، تنتهك أحكاماً صريحة في اتفاقية جنيف الرابعة، التي تهدف إلى حماية المدنيين أثناء الاحتلال

توصيات للفاعلين الدوليين والمنظمات الحقوقية

بناءً على هذا التقرير، يوصى بما يلي:

1- المساءلة الفورية: يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لضمان المساءلة عن الجرائم الموثقة.

ويتطلب ذلك تفعيل آليات المحاسبة الدولية، بما في ذلك إحالة ملفات الانتهاكات المنهجية إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء محكمة خاصة، بهدف ردع الجهات الفاعلة التي تستمر في ارتكاب هذه الجرائم.

2- الاستمرار في التوثيق: تُعد جهود منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، مثل المركز الدولي للحقوق والحريات، حيوية لبناء قضايا قوية ومحكمة ضد مرتكبي الجرائم.

لذا، يجب دعم هذه المنظمات لتمكينها من مواصلة عملها في المراقبة والتوثيق الميداني للانتهاكات.

3- الضغط الدبلوماسي والقانوني: يجب على الفاعلين الدوليين ممارسة ضغط دبلوماسي وقانوني متزايد على الأطراف التي تنتهك القانون الدولي، سواء كانت حكومات أو قوى غير نظامية، بما في ذلك تحميل الدول مسؤولية أفعال وكلائها أو القوات التابعة لها، وذلك لضمان احترام القوانين الدولية وحماية المدنيين.

 

إقرأ أيضاً: انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا: تقرير يومي يكشف أنماطا ممنهج

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.