عمل المرأة السورية بين الاستقلالية والضغط المادي
شهدت السنوات العشر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في مشاركة المرأة السورية في سوق العمل، نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها الحرب، إلى جانب غياب عدد من الرجال بسبب القتال أو الهجرة أو الظروف القسرية. ويشير خبراء إلى أن دخول المرأة سوق العمل ليس تكريماً لها، بل حاجة ملحة لتأمين متطلبات العيش وتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء للأسرة.
ويرى بعض الاقتصاديين أن المرأة السورية تتمتع بموثوقية واستقرار نسبيين في العمل، كما تحافظ على مستوى جيد من الإنتاجية، بينما يبقى أجرها أقل من الرجل، ما يجعلها مصدر دخل ثانوي للأسرة. رغم غياب أرقام دقيقة، تُظهر المؤشرات العامة أن النساء باتت تشكل نسبة كبيرة من القوى العاملة.
تحديات العمل والرضا الذاتي
تواجه النساء في بعض المهن مخاطر وظروف عمل سيئة، وقد تضطر أحياناً لتقديم تنازلات للبقاء في الوظيفة. تقول سميرة، عاملة في معمل لتعبئة البهارات، إنها تضطر للعمل الإضافي في المنزل لسد احتياجات أسرتها، لكنها لا تشعر بالرضا عن عملها بسبب قسوة بيئة العمل وانخفاض الأجور.
بدورها، تشير ريم الحايك، موظفة حكومية، إلى أن موازنة العمل مع تربية الأولاد والمنزل تضيف جهداً مضاعفاً عليها، خاصة مع تراجع الأجور وارتفاع كلفة النقل، ما يجعل الوظيفة أقل قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وتوضح ريم أن كثير من زميلاتها يبحثن عن أعمال إضافية أو مشاريع منزلية لتغطية احتياجات الأسرة.
يوميات مُجهِدة
يعمل بعض النساء خارج اختصاصهن أو يقمن بمشاريع صغيرة بهدف الاستقلال المالي، إلا أن الضغط الاقتصادي يجعل العمل أمراً ضرورياً أكثر من كونه اختياراً لتحقيق الذات. تقول ديمة الشامي، معلمة، إن الروتين اليومي مجهِد، فهي تضطر للقيام بأدوار الأم والأب معاً في غياب الزوج، إضافة إلى مسؤوليات العمل والمدرسة.
تؤكد روان عبيد، صيدلانية، أن تحقيق الاكتفاء الذاتي أصبح ضرباً من الخيال، خصوصاً للمرأة، حيث تضاف عليها أعباء المنزل والمجتمع المحافظ، ما يجعل استقلاليتها محدودة في كثير من الأحيان. وتشير إلى أن دعم المرأة في مجالات مهنية متنوعة وخدمات تعليمية للأطفال يمكن أن يخفف من الضغوط ويزيد من فعاليتها.
الفخ بين العمل وتحقيق الذات
تصف مهندسة مدنية، نهال هلال، تجربتها قائلة إن العمل أكسبها خبرة واستقلالية، لكنه استنزف طاقتها، خصوصاً مع مسؤوليات الأمومة والأسرة، مؤكدة أن الظروف الحالية تجعل أي عمل لا يضمن عائد مادي كافٍ أمراً مرهقاً ومحدود الفائدة.
بين الأسباب والنتائج
ترى وفاء كفى، مرشدة اجتماعية، أن الظروف الاقتصادية دفعت النساء للعمل لتأمين أساسيات الحياة، لكن قلة الفرص وانخفاض الأجور والاستغلال تحد من الاستقلالية والرضا. ومع ذلك، هناك تحولات إيجابية في بعض البيئات، حيث يُنظر إلى المرأة العاملة كشريك حقيقي في بناء الأسرة والمجتمع.
ختاماً، تُعد المرأة السورية اليوم بطلة حقيقية تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة، وتستحق الدعم والتقدير لما تقدمه من جهد مستمر للحفاظ على أسرتها ومجتمعها رغم الصعوبات.
إقرأ أيضاً: سوق رقمي بلا مظلة قانونية.. العمل عن بعد في سوريا تحت رحمة الأجور والضغوط
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب