تجاوزات متطوعين في الأمن العام: هل تعود ممارسات “التشبيح”؟

شهدت الفترة الأخيرة تسجيل حالات فردية عبّر أصحابها عن تعرضهم لضغوط وتهديدات من قبل متطوعين في الأمن العام السوري، ما أثار مخاوف شعبية من عودة ممارسات ارتبطت بمرحلة ما قبل سقوط النظام، حيث كان يُساء استخدام النفوذ الأمني لترهيب المواطنين أو ابتزازهم، بحسب روايات المتضررين.

ورغم أن هذه الشهادات لا تزال محدودة، إلا أنها أعادت إلى الواجهة تساؤلات حساسة حول ما إذا كانت مجرد تجاوزات فردية، أم مؤشرات أولية على عودة ثقافة الاستقواء بالصفة الأمنية التي تركت آثارًا عميقة في الذاكرة السورية.

حالات فردية تعكس قلقًا عامًا:

تكشف شهادات متضررين عن وقائع بدأت بتفاصيل عادية، لكنها انتهت باستخدام الصفة الأمنية كأداة ضغط وتهديد، ما أثار خوفًا من عودة أساليب ظنّ كثيرون أنها أصبحت من الماضي.

مصورة فوتوغراف تتعرض للتهديد:

سميرة (اسم مستعار)، لفتاة تعمل مصورة فوتوغراف، تروي أن تواصلًا مهنيًا مع شاب طلب خدمة تصوير، تحوّل لاحقًا إلى مضايقات شخصية واتصالات متكررة بعد انتهاء العمل.

مراسلة عنصر من الأمن العام مع مصورة فوتوغراف اطلع عليها “الحل نت”

 

وبحسب روايتها، رفضت سميرة إعطاء رقمها الشخصي، ليقابل ذلك تهديد مباشر، حيث قال لها الشاب إنه متطوع في الأمن العام، مستخدمًا نبرة استقواء واضحة.

وتقول سميرة لموقع “الحل نت”: “بلّش يحكي معي بأسلوب فوقي، قال أنا أمن عام وأنا بورجيكي، وبوقت الحرس رح تحلمي إنك تصوري، حسّيت فجأة إنو الشغل صار تهديد، مو مجرد سوء تصرّف”.

مراسلة عنصر من الأمن العام مع مصورة فوتوغراف اطلع عليها “الحل نت”

 

وأضافت: “أكثر ما أخافني لم يكن الكلمات بحد ذاتها، بل نبرة الاستقواء واستحضار الصفة الأمنية كسلاح لإسكاتي”.

شجار أطفال يتحول إلى تهديد أمني:

في حادثة أخرى، يروي عمار (17 عامًا) أن شجارًا بسيطًا مع ابن الجيران تطور عندما تدخل شقيقه الأكبر، وهو متطوع حديث في الأمن العام، مستخدمًا عبارات تهديد أعادت للعائلة ذكريات مؤلمة من الماضي.

وأضاف: “الشب قال بخليكن تحلموا تشوفوا الشمس، ضبوا حالكن وإلا بعرف ضبكن، وحكي من أيام النظام، حسّيت إنو رجعنا لورا، مجرد شجار أولاد صار قصة أمن”.

ويقول عمار لـ “الحل نت” إن عائلته اختارت الصمت وعدم تقديم شكوى، خوفًا من العواقب المحتملة، رغم شعورها بالظلم.

تردد في تقديم الشكاوى وخوف من العواقب:

تُظهر هذه الحالات وجود تردد واضح لدى المواطنين في تقديم شكاوى رسمية، خاصة عندما يكون الطرف الآخر مسنودًا بصفة أمنية، حتى وإن كانت تطوعية أو حديثة.

ويخشى كثيرون أن تتحول الشكوى نفسها إلى مصدر ضغط إضافي، في ظل تجارب سابقة جعلت الثقة بالمحاسبة مسألة حساسة.

وزارة الداخلية: لا حصانة لأي متجاوز:

في المقابل، أكدت وزارة الداخلية السورية في تصريحات سابقة أن أي تجاوز من قبل عناصر الأمن العام، بمن فيهم المتطوعون، لن يُنظر إليه كتصرف فردي عابر.

وشدد وزير الداخلية أنس خطاب على أن:

1- الصفة الأمنية لا تمنح أي شخص حصانة فوق القانون

2- الوزارة أصدرت مدونة سلوك داخلية لضبط أداء العناصر

3- تم اتخاذ إجراءات تأديبية وقانونية بحق متجاوزين سابقين، شملت الفصل من الخدمة والملاحقة القانونية

كما أوضح أن المرحلة الحالية تتطلب علاقة جديدة بين المواطن والمؤسسة الأمنية قائمة على المساءلة واحترام القانون، لا على التخويف أو الاستقواء.

وفي هذا السياق، افتتحت وزارة الداخلية دائرة الشكاوى الأمنية في دمشق خلال حزيران/يونيو الماضي، بهدف تعزيز التواصل مع المواطنين واستقبال البلاغات.

قلق شعبي وانتظار أفعال ملموسة:

رغم هذه التأكيدات الرسمية، لا يزال بعض المواطنين يشعرون بوجود فجوة بين التصريحات والواقع اليومي، إذ تترك التجارب الفردية أثرًا مضاعفًا حين ترتبط بذاكرة جماعية مثقلة بالخوف.

ويقول أحد المتضررين: “المشكلة ليست في الكلمات فقط، بل في خوف الناس من الاعتراض، لأنهم يعرفون معنى التشبيح من تجارب سابقة”.

هل هي تجاوزات فردية أم بداية ظاهرة؟

حتى الآن، تبقى هذه الوقائع ضمن إطار الحالات الفردية، لكنها تطرح سؤالًا مشروعًا: هل نحن أمام تجاوزات محدودة سيتم ضبطها مبكرًا، أم أمام بذور ظاهرة قد تتوسع إن لم تُواجه بحزم؟

يرى كثيرون أن الإجابة لن تكون في البيانات الرسمية، بل في كيفية محاسبة أول متجاوز، ومدى حماية كرامة المواطنين، قبل أن يتحول الخوف مجددًا إلى قاعدة، والاستقواء إلى أمر واقع.

إقرأ أيضاً: صحفي سوري يتعرض لتهديدات بالقتل بعد انتقاده السلاح المنفلت

إقرأ أيضاً: تصاعد التوتر في ريف حمص: تهديدات بإحراق المحال التجارية للمشاركين في الإضراب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.