أزمة الدولار الأبيض في سوريا: لماذا تُرفض الإصدارات القديمة من الدولار الأميركي؟
في ظاهرة شبه فريدة على مستوى أسواق الصرف العالمية، تحوّلت الإصدارات القديمة من الدولار الأميركي، وتحديدًا تلك التي صدرت قبل عام 2006 والمعروفة باسم “الدولار الأبيض”، إلى عملة غير مرغوب بها في السوق السورية ومحال الصرافة.
ورغم أن هذه الأوراق النقدية لا تزال قانونية وسارية المفعول في الولايات المتحدة، إلا أنها تُرفض في كثير من الأحيان داخل سوريا، أو تُقبل بخصومات كبيرة قد تصل إلى 40% من قيمتها الفعلية، ما يثير تساؤلات اقتصادية واجتماعية واسعة.
الدولار الأبيض في سوريا… أزمة اقتصادية تتجاوز سوق الصرف:
لا تقتصر مشكلة رفض الدولار الأبيض على كونها خللًا تقنيًا في سوق العملات، بل تعكس أزمة اقتصادية عميقة تعيشها سوريا منذ أكثر من عقد، في ظل الحرب والعقوبات الدولية المشددة.
هذا التمييز السعري يلحق ضررًا مباشرًا بالمواطنين، ولا سيما أولئك الذين يعتمدون على الحوالات الخارجية، إذ تتحول مدخراتهم التي جمعوها على مدى سنوات طويلة إلى قيمة منقوصة وغير عادلة.
أسباب التمييز بين الدولار الأزرق والدولار الأبيض:
بحسب الخبير الاقتصادي والمالي صالح إبراهيم، يعود أصل التمييز بين الدولار الأبيض (الإصدارات القديمة) والدولار الأزرق (الإصدارات الحديثة) إلى اختلافات شكلية في التصميم والألوان، إلا أن هذه الفروقات تحوّلت في السياق السوري إلى أزمة حقيقية، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الحرية”.
1. العقوبات والعزلة المالية
تُعد العقوبات الأميركية وقانون قيصر من أبرز الأسباب التي ساهمت في تعميق المشكلة، حيث أدت إلى:
1- صعوبة إعادة تدوير الدولار القديم عبر القنوات المصرفية العالمية
2- خوف الصرافين من التعامل بأموال قد تثير شبهات قانونية
3- عجز البنوك السورية سابقًا عن تحويل هذه العملات إلى الخارج
2. مخاوف التزوير وضعف الإمكانيات
من الأسباب الأخرى:
1- انتشار حالات تزوير الدولار في فترات سابقة
2- نقص أجهزة كشف التزوير المتطورة، خاصة للإصدارات القديمة
3- قلة خبرة بعض الصرافين في التمييز بين الدولار السليم والمزوّر
3. تدهور حالة الأوراق النقدية
احتفاظ المواطنين بالدولار لفترات طويلة أدى إلى تلف بعض الأوراق، ما زاد الشكوك حول صلاحيتها، رغم كونها قانونية.
انعكاسات اجتماعية وخسائر على المواطنين:
أدى رفض الدولار الأبيض إلى تعقيد حياة المواطنين، خصوصًا متلقي الحوالات من الخارج، حيث يُجبرون على:
1- تصريف العملة بخسارة كبيرة
2- إجراء عمليات استبدال إضافية
3- تحمّل أعباء مالية غير مبررة
وهذا الواقع حوّل الدولار القديم إلى عبء بدل أن يكون وسيلة أمان مالي.
عوامل نفسية وثقافة الشك في السوق السورية:
يشير إبراهيم إلى وجود عوامل نفسية واجتماعية تلعب دورًا في تفاقم الظاهرة، مثل:
1- الحذر المفرط في التعاملات المالية
2- ثقافة الشك والريبة
3- الجهل بحقيقة أن الولايات المتحدة لا تلغي أي إصدار من عملتها
وعلى عكس سوريا، تتعامل معظم دول العالم، بما فيها دول أوروبا، مع الدولار القديم بشكل طبيعي دون أي تمييز.
حلول مقترحة لمعالجة أزمة الدولار الأبيض:
للتخفيف من حدة الأزمة، يقترح الخبراء مجموعة من الحلول، أبرزها:
1- نشر الوعي بأن جميع إصدارات الدولار الأميركي قانونية
2- إنشاء مكاتب متخصصة لفحص واستبدال الدولار القديم
3- تدريب الصرافين على كشف التزوير والتعامل مع الإصدارات القديمة
4- وضع ضوابط رسمية تحدد سقف الخصم المسموح به
5- فرض غرامات على الجهات التي ترفض قبول الدولار السليم
كما دعا المواطنين إلى عدم تصريف الدولار الأبيض بأقل من قيمته الحقيقية والإبلاغ عن أي مخالفات.
هل يؤثر إلغاء قانون قيصر على الدولار في سوريا؟
يرى الخبير الاقتصادي أن إلغاء قانون قيصر – في حال حدوثه – قد يُحدث تحولًا كبيرًا في:
1- حركة الدولار داخل السوق السورية
2- توحيد قيمة الدولار القديم والجديد
3- تسهيل تدفق السلع والخدمات
4- تقليص دور السوق السوداء
الدولار الأبيض أزمة تمس حياة السوريين:
تمثل أزمة الدولار الأبيض في سوريا مأزقًا حقيقيًا للمواطن، إذ إن هذه الأوراق النقدية هي مدخرات سنوات من العمل والاغتراب، وخسارتها تعني ضياع أحلام مؤجلة وأمان اقتصادي مفقود.
ويبقى الحل مرهونًا بالإصلاحات الاقتصادية، ورفع الوعي، وضبط سوق الصرافة، بما يضمن حماية المواطن وقيمة أمواله دون تمييز غير مبرر.
إقرأ أيضاً: تقرير أميركي: الاقتصاد السوري أمام مفترق طرق بين الانهيار وفرص التعافي