غياب العدالة الانتقالية في سوريا يفسح المجال أمام الانتقام الأهلي

بعد عام على سقوط نظام الأسد، تجتاح سوريا موجة عنف انتقامي خطيرة بسبب غياب العدالة الانتقالية، مما ينشر الفوضى ويزرع الخوف ويزيد غضب أهالي الضحايا.

تصاعد أعمال الانتقام

تقدر جماعات حقوق الإنسان أن ما يصل إلى 620 ألف شخص قُتلوا في سوريا قبل نهاية الحرب وسقوط نظام الأسد. وتشهد البلاد حالياً تقارير متزايدة عن عنف جماعات أهلية.

تتصاعد أعمال الانتقام، حيث قدّر أحد المراقبين أن نسبة عمليات القتل المستهدف أو أعمال الانتقام بلغت 36% من أكثر من 70 حالة وفاة عنيفة سُجِّلت في الأسبوعين الأخيرين من أغسطس/آب، ووصلت مؤخراً إلى 60%.

يوضح غريغوري وترز، الباحث البارز في المجلس الأطلسي Atlantic Council ومتابع الأحداث عبر موقعه “سوريا ريفيزيتد” Syria Revisited، أن هذا النوع من العنف الموجه ضد المتعاونين أو جنود النظام يتزايد، وأن غياب العدالة الانتقالية يزيد من حدة التوتر والضغط.

“لماذا تطلبون منا الصبر؟”

منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وعدت الحكومة المؤقتة بمحاسبة رموز النظام، بمن فيهم مرتكبو جرائم الحرب. التقى الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، بقادة المجتمع المحلي داعياً إياهم إلى الصبر، لكن الباحث غريغوري وترز نقل عن البعض استياءهم بتساؤل: “لقد سقط مليون شخص… لماذا تطلبون منا الصبر؟ إلى متى علينا الانتظار؟”.

أصدرت الحكومة عفواً عاماً عن الكثيرين ممن خدموا في الجيش السابق، مؤكدة أن الملاحقة الجنائية ستقتصر على من تلطخت أيديهم بـ”دماء السوريين” فقط.

سوء سير عملية العدالة الانتقالية

يشير تقرير لغريغوري وترز صدر في حزيران/يونيو عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” WINEP إلى أن جهود اعتقال المشتبه في ارتكابهم جرائم تبدو “غير متسقة، وغامضة، وضعيفة التواصل”.

فبينما تم احتجاز من شغلوا مناصب رفيعة وتعميم أخبار اعتقالهم، يظل العديد من المخبرين السابقين والعاملين ذوي الرتب الدنيا أحراراً، وغالباً ما يُفرج عنهم بعد أيام قليلة من احتجازهم على الرغم من بلاغات السكان المحليين.

يزيد الوضع سوءاً بسبب التحريض على العنف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُنشر صور أشخاص مرتبطين بالنظام مع الإشارة إلى مكان وجودهم المحتمل، وهو ما يراه البعض دعوة للعنف.

مقترحات لوقف العنف

في الوقت الحالي، لا تبذل الحكومة السورية المؤقتة جهوداً كبيرة للتصدي لأعمال الانتقام، سواء بسبب عدم الرغبة أو ضعف الإمكانيات.

يقترح آرون زيلين، الصحفي البارز في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” WINEP، أن نشر مزيد من المعلومات حول الهيئة الوطنية للعدالة الحكومية، التي أُعلن عنها في ربيع 2025، يمكن أن يحسن الوضع من خلال بناء الثقة والشفافية.

من جانبه، يرى محمد العبد الله، مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” SJAC ومقره واشنطن، أن تصاعد أعمال العنف الانتقامية هو دليل على سوء سير عملية العدالة الانتقالية مؤكداً أن عدم احتجاز المتورطين في الانتهاكات يجعل الناس يلجؤون إلى “أخذ حقهم بأيديهم”، لغياب المعلومات عن خطة الدولة لمحاسبة هؤلاء الأفراد، مما يجعل الوضع فوضوياً ويدفع الناس للبحث عن العدالة بأنفسهم.

اقرأ أيضاً:التايمز تكشف عن إفلات قتلة مدنيي الساحل السوري من العقاب رغم الأدلة الموثقة

اقرأ أيضاً:سوريون من أجل الحقيقة والعدالة: يجب إلغاء منصب رئيس العدلية/الشيخ المستحدث في سوريا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.