زيارة الشرع إلى روسيا: فرص استثمارية أم تحديات تبعية اقتصادية؟
مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين السوريين وارتفاع معدلات التضخم، يواجه الاقتصاد السوري تحديات جسيمة تتطلب البحث عن شركاء خارجيين ودعم استثماري عاجل. في هذا الإطار، تأتي زيارة الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى موسكو، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا واستكشاف فرص جديدة للاستثمار وإعادة الإعمار.
على مدى العقدين الماضيين، حافظت سوريا وروسيا على شراكة اقتصادية متنامية، حيث لعبت روسيا دوراً رئيسياً في دعم النظام السابق، فيما تهدف زيارة الشرع الحالية إلى تعزيز التعاون القائم، وفتح مجالات جديدة للاستثمار الروسي في مشاريع البنية التحتية والطاقة.
توقعات متباينة بين التفاؤل والتحفظ
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش أن الزيارة قد توفر دفعة اقتصادية مهمة لسورية. وأوضح أن روسيا تمتلك قدرة تمويلية واسعة، ما قد يتيح تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وتحفيز النمو الصناعي والزراعي، وخلق فرص عمل جديدة. وأشار عربش إلى إمكانية انعكاس الاتفاقيات على مؤشرات الاقتصاد الكلي، مع توقع زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 15% إلى 20% خلال السنة الأولى، وخفض معدل التضخم السنوي بما بين خمس وسبع نقاط مئوية، وتحقيق نمو اقتصادي يتراوح بين 3% و4% في الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، يحذر الاقتصادي مالك عبد القادر من مخاطر الاعتماد على موسكو، مشيراً إلى أن التمويل غالباً ما يُقدم ضمن شروط سياسية محددة، مع تركيز على المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، بينما قد تتجاهل القطاعات الصغيرة والمتوسطة. وأوضح أن الاعتماد المفرط على روسيا قد يحد من قدرة الحكومة السورية على اتخاذ قرارات مالية مستقلة، ويقلل تأثير الاتفاقيات على التضخم والنمو الاقتصادي، حيث قد يقتصر الخفض على نقطتين إلى ثلاث نقاط مئوية فقط، مع استمرار البطالة عند مستويات مرتفعة، خصوصاً بين الشباب والخريجين الجدد.
أثر الزيارة على القطاعات الاقتصادية
تشير التوقعات إلى أن قطاع الطاقة والنقل قد يستفيد مباشرة من التمويل الروسي، مثل إعادة تأهيل محطات الكهرباء وشبكات النقل، ما قد يحسن كفاءة الصناعة والخدمات. في المقابل، تواجه الزراعة والصناعات الصغيرة تحديات أكبر، إذ إن تركيز التمويل على المشاريع الاستراتيجية الكبرى قد يزيد الفجوة الاقتصادية ويحد من نمو شامل ومستدام.
أما مشاريع إعادة الإعمار الكبرى، فستستفيد على الأرجح من التمويل الروسي، لكنها قد تظل محدودة التأثير على حياة المواطنين اليومية إذا لم تُرافقها برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الأساس الحقيقي للنمو المحلي وخلق فرص عمل.
تأتي زيارة الشرع إلى موسكو في وقت حاسم للاقتصاد السوري، مع فرص واضحة لتحفيز الاستثمار، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر تبعية طويلة الأمد وتأثير محدود على الواقع المعيشي للمواطنين إذا لم تتوازن الاتفاقيات بين المشاريع الكبرى ودعم الاقتصاد المحلي.
اقرأ أيضاً:الشرع من موسكو: سوريا الجديدة تعيد ضبط علاقاتها مع روسيا