جفاف الأنهار يهدد الثروة السمكية في سوريا

تعيش الثروة السمكية في سوريا مرحلة حرجة مع تفاقم موجات الجفاف وتراجع منسوب الأنهار، ما يهدد بانهيار قطاعٍ كان حتى وقت قريب مصدر رزق رئيسي لآلاف العائلات في مناطق مثل سهل الغاب ونهر العاصي.

على ضفاف نهر العاصي في ريفي حماة وإدلب، يصطف عدد قليل من القوارب القديمة في مشهد يعكس حجم التراجع الذي أصاب المهنة. فبعد أن كانت المنطقة من أغنى مصادر الأسماك في البلاد، تقلّصت كميات المياه بشكل حاد، وانحسرت أعداد الصيادين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تأمين لقمة العيش.

يقول علي المصري، صياد من جسر الشغور، إن النهر لم يعد كما كان: “المياه أصبحت ضحلة، والشباك التي كانت تمتلئ بأسماك الكارب والمشط والرومي باتت تخرج شبه فارغة”. ويضيف أن التلوث زاد من سوء الوضع، حيث تصب مياه الصرف والمخلفات الصناعية في مجرى النهر، ما جعل الأسماك هزيلة وغير صالحة للبيع أحيانًا.

تراجع الإنتاج وارتفاع التكاليف

في سهل الغاب، يواجه مربو الأسماك واقعًا أكثر قسوة. يقول محمود رجب، الذي يملك مزارع سمكية منذ أكثر من عقدين، إن “موجات الجفاف المتتالية كانت ضربة قاصمة للقطاع”، موضحًا أن معظم المزارع توقفت عن العمل بسبب نقص المياه وارتفاع تكاليف التشغيل.
ويضيف: “كنت أملك أربعة أحواض تنتج قرابة ثمانية أطنان في الموسم، أما اليوم فلم أعد أستطيع تشغيل سوى حوض واحد بالكاد يغطي تكلفته”. ويرى أن استمرار الوضع الحالي “ينذر بزوال المهنة كليًا” إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتأمين مصادر مياه بديلة ودعم المربين.

تهديد بيئي واسع

من جانبه، يوضح الخبير البيئي فادي الأحمد أن الأزمة الحالية ليست جديدة، بل نتيجة تراكم طويل لعوامل مناخية وبشرية. ويقول إن مستويات المياه في بعض السدود والبحيرات انخفضت بأكثر من 60% خلال السنوات الأخيرة، ما أثر بشكل مباشر على دورة تكاثر الأسماك وهجرتها الموسمية.

ويحذر الأحمد من أن “الأنظمة البيئية المائية في سوريا مهددة بالانهيار”، مشيرًا إلى أن الصيد الجائر باستخدام الديناميت والكهرباء والشباك الدقيقة يعمّق المشكلة ويقضي على الأنواع الصغيرة قبل نضوجها.

الحاجة إلى خطة إنقاذ

ويرى الخبير أن إنقاذ ما تبقى من الثروة السمكية يتطلب خطة وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية، تشمل دعم المزارع السمكية القائمة، وتشجيع أنظمة التربية المغلقة التي تعتمد على تدوير المياه، وإعادة إطلاق الأسماك في الأنهار والبحيرات لإحياء التنوع الحيوي. كما دعا إلى تشديد القوانين الرادعة ضد الصيد غير المشروع وتنظيم حملات توعية حول الصيد المستدام.

ويختم الأحمد بالتحذير من أن خسارة الثروة السمكية لن تكون مجرد كارثة بيئية، بل تهديد مباشر للأمن الغذائي والمعيشي في بلد يعتمد جزء كبير من سكانه على موارد الأنهار والبحيرات كمصدر رزق أساسي.

اقرأ أيضاً:التفاح في السويداء: جفاف وتهميش يهددان العمود الفقري لاقتصاد المزارعين

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.