وجوه النظام السوري السابق تعود إلى الواجهة: صراع نفوذ جديد بعد سقوط الأسد
مع دخول سوريا مرحلة انتقالية معقّدة، بدأت بعض الوجوه البارزة من نظام بشار الأسد السابق في العودة إلى الواجهة، إما من خلال أدوار أمنية غير مباشرة أو مبادرات مدنية ظاهرها إنساني وباطنها سياسي.
من أبرز هذه الشخصيات فادي صقر، القائد السابق في قوات الدفاع الوطني، وطلال مخلوف، الذي شغل مناصب حساسة منها قيادة “الحرس الجمهوري” وإدارة المكتب العسكري للرئيس السوري السابق.
وقد عاد صقر إلى الواجهة بتكليف من الحكومة الانتقالية، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي في مناطق الساحل السوري، بينما يحمل ملف طلال مخلوف بعداً أكثر تعقيداً بسبب صلاته المباشرة بـ أسماء الأسد.
طلال مخلوف… من إدارة الملف العسكري إلى شبهات التواطؤ:
برز دور طلال مخلوف في مرحلة ما قبل سقوط النظام، حين شارك في عملية إقصاء كبار الضباط من المؤسسة العسكرية، بينهم اللواء رمضان رمضان وجمال يونس، مما تسبب في تفكيك التراتبية العسكرية التقليدية.
لاحقاً، تورّط مخلوف، بالتنسيق مع المخابرات العسكرية، في تهميش قيادات وازنة مثل سهيل الحسن، واعتقال ضباط من “الفرقة 25”. وتضاربت الروايات حول دوره خلال الأيام الأخيرة قبل سقوط النظام، إذ يُتهم بإصدار أوامر انسحاب ميدانية مشبوهة، ما أثار الشكوك حول تعاونه في تسهيل سقوط النظام بالتنسيق مع أجهزة استخبارات أجنبية، بينما ذهب آخرون إلى القول إنه نفّذ أوامر الأسد (الرئيس).
إرث أمني منهار… وانقسامات داخل أجهزة النظام السابق:
ورث بشار الأسد منظومة أمنية معقّدة بناها والده الراحل حافظ الأسد، تعتمد على التنافس الداخلي بين الأجهزة لضمان الولاء. إلا أن هذه البنية بدأت بالانهيار منذ عام 2019، بعد تعيينات مفصلية شملت:
كفاح ملحم (رئيس شعبة المخابرات العسكرية ثم الأمن الوطني)
غسان إسماعيل (رئيس المخابرات الجوية)
حسام لوقا (مدير المخابرات العامة)
كمال الحسن (أحد أبرز الأسماء الصاعدة بقوة)
كان لـ كمال الحسن صعودٌ مفاجئ وسريع، مدعوماً من رجل الأعمال المعروف “أبو علي خضر” (خضر علي طاهر)، ليصبح أحد أقوى رجال الأمن في سوريا قبل سقوط النظام.
الهروب الكبير بعد سقوط النظام السوري:
قبيل سقوط النظام، فرّ كبار رموزه إلى الخارج، إلى دول مثل روسيا، الإمارات، لبنان، العراق، إيران والأردن، حيث أقاموا تحت رقابة استخبارات تلك الدول.
غير أن المنفى الإجباري، أشعل الخلافات في ما بين أولئك جميعاً. ووفقاً لمصادر مطلعة نقلت عنها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، تحالف الضابط سهيل الحسن ومعه مجموعة ضباط، مع رجل الأعمال رامي مخلوف، لتثبيت زعامة محلّية في الساحل السوري، تقوم على توفير مساعدات مالية وعينية لآلاف العائلات المتضرّرة بفعل سقوط النظام، ممَّن طُرد أفرادها من الجيش والمؤسسات الرسمية. كذلك، عُقدت تحالفات ضيّقة، عبر الاستعانة بضباط سابقين وقادة مجموعات مدنية كانت تقاتل إلى جانب الجيش السابق.
وينقل مقرّبون من هؤلاء، عنهم، قولهم إنهم يرفضون التعاون مع شخصيات كبيرة من النظام السابق، في ظلّ تحميل الشخصيات المسؤولية عن انهيار الدولة اقتصاديّاً وعسكريّاً، متّهمين منافسهم، كمال الحسن، بعقد تحالف خاص مع القائد السابق للفرقة الرابعة، شقيق الرئيس السوري اللواء ماهر الأسد، وأنهما يعملان على بناء شبكة نفوذ محلّية، فيما تُتداول أنباء عن حركة نشطة لكمال الحسن بين روسيا والإمارات ولبنان، بموجب جواز سفر روسي خاص.
منظمة “إنماء سوريا الغربية”: واجهة مدنية أم مشروع انفصال؟
أعاد كمال الحسن تقديم نفسه عبر واجهة مدنية جديدة تحمل اسم “منظمة إنماء سوريا الغربية”، والتي تنشط في تقديم مساعدات للعائلات العلوية التي نزحت إلى لبنان.
إلا أن: توقيت الظهور، الدعم الإعلامي المنسّق من بيروت وغموض التمويل، كلها أثارت شكوكاً حول أهداف المنظمة، التي يُعتقد أنها واجهة لتحركات سياسية مناطقية بدعم خارجي.
وتدور شبهات بتواصل الحسن مع أجهزة استخبارات أجنبية، ومع الشيخ حكمت الهجري في السويداء، بل وتُتداول أنباء عن قنوات اتصال غير مباشرة مع “إسرائيل”، ما يُنذر بتحوّلات إقليمية خطيرة.
صراع علني على النفوذ: اتهامات بين الحسن ومخلوف:
في ظل اشتعال المعركة الإعلامية، خرج رامي مخلوف بتصريحات علنية على “فيسبوك” اتهم فيها كمال الحسن بالخداع والاستغلال، ما يعكس تصدّعاً كبيراً داخل بقايا النخبة السورية السابقة.
في الوقت نفسه، تراقب موسكو عن كثب هذه التحركات، إذ يرى مراقبون أن روسيا تسعى إلى الاحتفاظ بأوراق ضغط تستخدمها لاحقاً في التفاوض مع الحكومة السورية الانتقالية لضمان مصالحها.
أين بشار الأسد من كل هذا؟
يبقى بشار الأسد خارج المشهد، لا يظهر في الإعلام، ولا يُشارك في أي من التحركات السياسية الجارية.
بين من يقول إنه منقطع بإرادته، وآخرون يرون أنه مغيّب قسرياً، يظل الغموض سيد الموقف.
وبينما تتصارع مراكز القوى الجديدة، يغيب وجود مرجعية وطنية جامعة تضبط الإيقاع، ما ينذر بانفجارات اجتماعية وسياسية داخل الأقليات والطوائف السورية، ويفتح المجال أمام مشاريع انفصالية أو مناطقية تهدّد تفكك العقد الاجتماعي السوري.
هل تعود سوريا إلى سيناريو التقسيم؟
في ظل هذه المعطيات، تتزايد المخاوف من تحوّل المشهد السوري إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، مع تصاعد مشاريع تتجاوز الحكومة الانتقالية، وتشكّل خطراً مباشراً على وحدة البلاد.
إقرأ أيضاً: هل رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن أبرز رموز نظام الأسد، بما في ذلك رامي مخلوف؟