بعد لقاء أنقرة الأمني.. هل تعيد تركيا رسم استراتيجيتها في سوريا؟
تسير العلاقات التركية–السورية نحو مرحلة جديدة توصف بأنها “منعطف استراتيجي”، بعد لقاء أمني رفيع المستوى في أنقرة جمع مسؤولين بارزين من البلدين، في خطوة غير مسبوقة منذ سقوط نظام الأسد. ويرى محللون أن هذا اللقاء يشكّل تحولاً عميقاً في المقاربة التركية تجاه الملف السوري، يتجاوز الاعتبارات التكتيكية إلى إعادة صياغة أولويات الأمن الإقليمي.
الاجتماع الذي ضمّ عن الجانب السوري كلاً من وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة، وعن الجانب التركي وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، بحث ملفات وصفتها وكالتا سانا والأناضول بـ”الحساسة”، أبرزها مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، والتدريب العسكري المشترك، وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
لكن خلف هذه العناوين الرسمية، دارت مفاوضات عميقة حول ملفين أساسيين: قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والجنوب السوري، وهما محوران يحددان مستقبل التفاهم الأمني بين أنقرة ودمشق.
من الخصومة إلى الشراكة الأمنية
كانت العلاقة بين أنقرة ودمشق طوال سنوات الحرب قائمة على العداء، إذ دعمت تركيا فصائل المعارضة واعتبرت نظام الأسد السابق تهديداً مباشراً. أما اليوم، فتبدو المقاربة مختلفة تماماً، إذ تؤكد أنقرة أن “أمن سوريا لا ينفصل عن أمن تركيا”، في إشارة إلى تحوّل استراتيجي من المواجهة إلى التعاون المشروط.
وتصرّ تركيا، بحسب التسريبات، على دمج “قسد” ضمن الجيش السوري وتسليم أسلحتها، مع قطع كامل لأي صلة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، بينما تحاول دمشق الموازنة بين عدم خسارة نفوذها شرق الفرات، وتجنّب مواجهة مباشرة مع أنقرة.
في هذا السياق، شكّل لقاء الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع بقائد قسد مظلوم عبدي، بحضور مبعوثين أميركيين، نقطة تحول إضافية، إذ بحث الطرفان “خارطة طريق أولية” لإعادة دمج قسد في الدولة السورية. وتشمل أبرز البنود تسليم إيرادات النفط في دير الزور إلى الحكومة المركزية مقابل حصول الإدارة المحلية على نسبة لتغطية احتياجاتها.
ورغم الطابع الاقتصادي للاتفاق، إلا أنه يُعدّ إشارة سياسية واضحة إلى قبول قسد التدريجي بسلطة الدولة السورية، وهو ما تراقبه أنقرة عن كثب، معتبرةً أن نجاح هذه العملية مرهون بإبعاد كل عناصر PKK من المشهد السوري.
قراءة تركية: الأمن أولاً
يقول الباحث التركي عمر أوزكيزيلجك، في حديث لـ”المدن”، إن تركيا تنظر إلى أمن سوريا كامتداد لأمنها القومي، مضيفاً: “أنقرة مستعدة لمساعدة سوريا في تحقيق الاستقرار وتعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية، لأن ذلك يصب في مصلحة الطرفين”.
ويتابع أوزكيزيلجك أن الاجتماع الأخير في أنقرة ناقش خطوات عملية لتوسيع نطاق التعاون الأمني، وربما يشمل ذلك تدريباً وتسليحاً مشتركاً للجيش السوري في المدى المتوسط.
من جانبه، يرى المحلل السياسي طه عودة أوغلو أن المرحلة الجديدة في العلاقات بين البلدين تقوم على “التعاون الأمني الواقعي”، موضحاً: “بعد تصريحات فيدان بأن أمن سوريا من أمن تركيا، بات واضحاً أن أنقرة تسعى إلى منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها، وتدفع في الوقت ذاته نحو إعادة تشكيل المشهد الأمني السوري بما يخدم استقرار المنطقة”.
الجنوب على جدول التفاهمات
لم يقتصر الحوار على الشمال، إذ شمل أيضاً ملف الجنوب السوري (السويداء ودرعا والقنيطرة)، في ظل تقارير عن محاولات إسرائيلية لتوسيع نفوذها تحت شعار “حماية الأقليات”. وتشير مصادر مطلعة إلى أن تركيا ودمشق ناقشتا آليات للتنسيق الأمني في تلك المناطق، تحسباً لأي فراغ قد تستغله تل أبيب.
وتتداول أوساط دبلوماسية أن اتفاقاً أمنياً جديداً قد يرى النور بين أنقرة ودمشق، يتجاوز في عمقه اتفاقية أضنة (1998)، وربما يتضمّن إنشاء قواعد عسكرية مشتركة داخل الأراضي السورية بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً.
“شراكة ضرورة” لا تحالف دائم
ورغم الحراك المكثف، يحذّر محللون من المبالغة في وصف التقارب التركي–السوري، فالعلاقة لا تزال قائمة على المصالح الأمنية أكثر من أي تقارب سياسي أو أيديولوجي. فأنقرة تريد تأمين حدودها ومنع أي كيان كردي، بينما تسعى دمشق لاستعادة سيادتها دون الدخول في صدام جديد.
وبين هذين الهدفين، تتشكل شراكة أمنية مؤقتة عنوانها “الضرورة”، لكنها قد تتحول – إذا نجحت التفاهمات – إلى قاعدة لتعاون طويل الأمد، يفتح الباب أمام إعادة ترتيب شاملة لمشهد الأمن الإقليمي في مرحلة ما بعد الحرب.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة