نازحون سوريون يعودون إلى الخيام مجدداً.. الإيجارات تتحوّل إلى رفاهية

تشهد مناطق شمال غربي سوريا موجة نزوح عكسية متصاعدة، إذ اضطرت عشرات العائلات إلى مغادرة المدن والمناطق المستقرة نسبياً والعودة إلى المخيمات بعد عجزها عن تحمّل كلفة الإيجارات المرتفعة. ظاهرة تعكس عمق الأزمة المعيشية في المنطقة، حيث تحوّل السكن في منزل متواضع إلى عبء يفوق قدرة معظم الأسر النازحة.

في ريف حلب الشمالي، تجاوز إيجار المنزل الصغير مليون ليرة سورية شهرياً (ما يعادل نحو 100 دولار أمريكي)، وهو مبلغ كبير بالمقارنة مع الدخل الشهري للعاملين بالأجرة اليومية أو الأسبوعية. ويقول أبو فهد (52 عاماً)، نازح من مدينة الأتارب، إنه اضطر إلى العودة للعيش في خيمة قرب مدينة أعزاز بعد عجزه عن دفع الإيجار:”كنت أعمل في ورشة نجارة وأدفع 800 ألف ليرة إيجار بيت متواضع، لكن مع الغلاء لم أعد أستطيع الاستمرار. عدت إلى خيمة قديمة على أطراف المدينة، لا مورد لي سوى عملي اليومي في البناء”، يقول لـ“المدن”. ويضيف أبو فهد أن مدخراته القليلة استُنزفت بالكامل خلال الأشهر الماضية لتسديد الإيجار ومصاريف المعيشة، ما جعله أمام خيار واحد هو العودة إلى الخيمة.

خيام فوق أنقاض البيوت

في ريف إدلب الجنوبي، فضّلت بعض العائلات العودة إلى بلداتها المدمّرة ونصب خيام فوق أطلال منازلها المهدّمة. ويقول محمد حاج علي (45 عاماً)، وهو أب لخمسة أطفال عاد إلى قريته كفرسجنة: “الرجوع إلى الخيمة قرار مؤلم، لكن الإيجار في المدينة صار فوق طاقتنا. بيتنا تهدم بالكامل، لكننا الآن على أرضنا، ولا أحد يطالبنا بإيجار أو فواتير”. ويتابع حاج علي: “بعد سنوات طويلة من النزوح، عدنا إلى القرية رغم انعدام الخدمات. على الأقل نشعر أننا في بيتنا ولو كان من قماش”.

خيار الاضطرار لا الرغبة

كثير من الأسر، مثل أسرة أم محمد (35 عاماً) من ريف حلب الغربي، وجدت نفسها أمام واقع مشابه. تقول: “لسنا سعداء بالعودة إلى الخيام، لكننا مجبرون. أصحاب البيوت يطلبون الإيجار بالدولار ونحن بالكاد نؤمّن طعامنا”.

زوج أم محمد يعاني إصابة قديمة تمنعه من العمل، بينما يعتمد دخل الأسرة على ابنها اليافع الذي يعمل في ورشة لصناعة البلوك. وتعيش العائلة من دون كهرباء دائمة أو مياه شرب، وتعتمد على مساعدات بسيطة من الجيران أو الجمعيات الخيرية.

الشتاء يضاعف الأزمة

مع اقتراب فصل الشتاء، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم، إذ تحذّر منظمات إنسانية من موجة نزوح جديدة داخل مناطق الشمال السوري نتيجة ارتفاع الإيجارات وتراجع المساعدات. ويقول عبد القادر جيجو، ناشط إغاثي في ريف حلب: “الاهتمام بالنازحين بات محدوداً جداً. التركيز الآن على دعم الأسر في المدن ومناطق الجنوب، بينما مخيمات الشمال تواجه الإهمال”.

ووفقاً لتقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تستضيف مناطق شمال غربي سوريا نحو 3.4 ملايين نازح داخلي حتى مطلع عام 2025، يعيش منهم قرابة 1.95 مليون شخص في أكثر من 1500 موقع نزوح بين مخيمات رسمية وغير رسمية.

وبين ارتفاع الإيجارات وتراجع الدعم الإنساني، يجد آلاف السوريين أنفسهم يعودون إلى الخيام التي فرّوا منها قبل سنوات، في مشهد يعيد إلى الواجهة صورة المعاناة التي ظنّ كثيرون أنها أصبحت من الماضي، لكنها اليوم تُستعاد بقسوة أكبر تحت وطأة الغلاء والانهيار الاقتصادي.

اقرأ أيضاً:لماذا ترفض الدول استعادة رعاياها من مخيمات وسجون شمال شرقي سوريا؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.