التوتر على الحدود اللبنانية‑السورية: خلية مسلحة ونزاع الترسيم
أعاد إعلان وزارة الداخلية في الحكومة السورية الانتقالية القاضي بالقبض على خلية مسلحة قالت إنها تتبع حزب الله، تعمل في بلدتي سعسع وكناكر بريف دمشق الغربي، الجدل حول الحدود اللبنانية‑السورية. الحزب من جهته نفى الخبر نفياً قاطعاً عبر علاقته الإعلامية.
وراء هذا النقاش المستجد تكمن معضلة أعمق: حدود غير مرسّمة رسمياً، واقع أمني غير مستقر، وشكوك متبادلة بين دمشق وبيروت كلما بدا أن العلاقة تسير نحو الترميم.
السياق السياسي والجهود لترسيم الحدود:
في أوائل شهر أيلول الجاري انعقد أول اجتماع بين اللجنتين اللبنانية والسورية في بيروت برئاسة نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، لبحث ملفات عدة من بينها موضوع النازحين والمفقودين، لكن ترسيم الحدود بقي أكثر الملفات حساسية.
بتاريخ 19 حزيران الماضي، ناقش الموفد الأميركي توم باراك مع المسؤولين اللبنانيين سُبُل تحسين العلاقة مع دمشق أمنياً وسياسياً، مع التركيز على ضبط الحدود وفتح باب الترسيم.
بعد مصادقة الحكومة اللبنانية على الورقة الأميركية، يُنتظر موقف سوريا الرسمي من هذه الورقة، لا سيما بنودها الخاصة بترسيم الحدود البرية والبحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة، ضمن لجنة مشتركة تضم خبراء دوليين وأممياً.
تاريخ ترسيم الحدود: عقبات متراكمة:
البلدان لم يرسموا حدودهما نهائياً منذ عهد الانتداب الفرنسي، رغم اتفاقات مبدئية عام 2008، ومراسيم لبنانية لاحقة، كالمرسوم رقم 6433 لعام 2011 الذي حدّد الحدود البحرية الشمالية مع سوريا وغيرها، وسط رفض سوري للخرائط المتنازع عليها.
مناطق مثل مزارع شبعا تُعد من أبرز النقاط الخلافية: لبنان يطالب بها لبنانية، في حين تُروّج “إسرائيل” أنها سورية، وسوريا حتى اليوم لم تعلن موقفاً رسمياً واضحاً بشأن تبعية شبعا.
التداخل العملي: دروز، قرى حدودية، هوية مزدوجة:
هناك قرى حدودية يعمل سكانها بإدارات لبنانية رغم أن غالبية السكان يحملون الجنسية السورية، والعكس كذلك، مما يُعقد مسألة الترسيم الفعلي على الأرض.
في الشرق والقرى الواقعة على حدود البقاع، العديسة، القموعة، القصر، يتنقل السكان بين البلدين، كما لو أن الحدود غير مفروضة عملياً.
التحديات التي تعوق الترسيم والتنفيذ:
– بعد قانوني ودستوري: غياب اعتراف واضح من الطرفين ببعض الخرائط، واختلاف في القوانين المطبقة، خاصة أن سوريا ليست طرفاً في اتفاقية قانون البحار 1982 التي يعتمد عليها لبنان.
– أمني وسياسي: استمرار نشاط جماعات مسلحة عند الحدود، الخوف من استغلال الحدود لأغراض التهريب والتهديد الأمني، ورغبة كل طرف بضمان السيطرة والسيادة.
– ديموغرافي واجتماعي: التبدّل السكاني والنزوح من إحدى البلدات إلى الأخرى، ووجود سكان يحملون جنسية مختلفة عن الجهة الإدارية المحيطة بهم.
– اقتصادي واستراتيجي: المناطق البحرية والمناطق الاقتصادية البحرية الخالصة، حقوق الصيد والتنقيب، وتأثيرها على الاقتصاد اللبناني السوري والمياه البحرية.
الحدود بين التأجيل والإجبار:
حتى الآن، ورغم بعض التقدم المفاوضي بين بيروت ودمشق، يبقى ملف ترسيم الحدود معلقاً على عدة شروط:
1- موقف سوري واضح بشأن مزارع شبعا والقضايا الحدودية الأخرى
2- اتفاق على خرائط مرسومة ومنفذة على الأرض
3- قدرة الأطراف على ضبط الوضع الأمني على الحدود
4- دعم دولي وآليات مراقبة ووساطة
إذا لم تُلبَّ هذه الشروط، قد يستمر الخلاف كأحد جذور التوتر في العلاقات السورية‑اللبنانية، بينما الحدود الفعلية تبقى مسألة مطروحة على الأوراق أكثر من أن تكون واقعًا ملموسًا.
إقرأ أيضاً: معاريف: لبنان وسوريا على طاولة احتمالات نظام إقليمي جديد
إقرأ أيضاً: ترسيم الحدود اللبنانية السورية: جدل حول الورقة الأميركية وموقف دمشق الغائب
 
			 
				