هل تنجح “هيئة دعم الصادرات” في إعادة الاعتبار للمنتج السوري؟

رغم التحديات العميقة التي يمر بها الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد، ما زال ملف دعم الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات يحتل موقعًا مركزيًا في النقاشات الاقتصادية، باعتباره إحدى الأدوات الأساسية للخروج من حالة الانكماش وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري. فالتراجع الكبير في البنية الإنتاجية، وارتفاع تكاليف الطاقة والنقل، واستمرار العقوبات الاقتصادية، وتعثر طرق التصدير، كلها عوامل جعلت من حماية المنتج الوطني وتطوير قدرته التنافسية أولوية قصوى.

في هذا السياق، يبرز دور هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات كلاعب محوري يعوَّل عليه في صياغة منظومة الدعم، وتوجيهها بما يخدم استراتيجية التنمية الاقتصادية الأوسع.

برامج دعم وتطلعات جديدة

أطلقت الهيئة خلال السنوات الماضية مجموعة من البرامج أبرزها “حوافز التصدير”، الذي يهدف إلى تحسين كفاءة المنتج السوري المعدّ للتصدير عبر تخفيض تكاليف الإنتاج، من خلال المساهمة في فواتير الكهرباء أو اشتراكات التأمينات الاجتماعية. كما تبنّت برامج دعم مرحلية استهدفت منتجات بعينها، مثل دعم شحن البندورة والخيار عام 2022، أو دعم الإنتاج الصناعي الموجَّه للتصدير.

مدير الهيئة، فراس غفير، أوضح  أن الهيئة تدرس حاليًا برامج دعم جديدة للمصدّرين، لكن لم يتم اعتماد أي منها رسميًا بعد. كما تواصل دراسة طلبات الدعم المقدّمة عام 2024 ضمن برنامج الحوافز، تمهيدًا لصرفها بعد موافقة الجهات الوصائية، ما يعكس استمرار دورها التنفيذي في تقديم حوافز مادية مباشرة.

المنتج السوري بين السمعة الجيدة والتحديات

ما يزال المنتج السوري، وخاصة الزراعي والغذائي، يحظى بسمعة جيدة في الأسواق التقليدية للصادرات السورية، خصوصًا العربية منها، حيث تلعب الروابط التاريخية والثقافية دورًا في تعزيز الطلب. لكن منتجات أخرى، مثل الصناعات النسيجية والألبسة الجاهزة، تراجعت بسبب مشكلات في توفر المواد الأولية وتضرر المعامل.

الهيئة تسعى اليوم للعودة إلى الأسواق العالمية، وخاصة الأوروبية، التي فقدتها سوريا في السنوات الماضية بسبب العقوبات. ويشير غفير إلى أن هذه الخطوة ستكون ممكنة تدريجيًا بعد رفع القيود الدولية المفروضة في عهد النظام السابق.

واقع اقتصادي متبدّل

الخبير الاقتصادي فادي عياش يرى أن الاقتصاد السوري عانى طويلًا من الركود التضخمي ومن “احتكار القلة”، ما انعكس سلبًا على الإنتاج المحلي وأضعف من قدرته التنافسية. لكنه يلفت إلى أن المشهد تغيّر بعد سقوط النظام السابق، حيث أُلغيت قيود عديدة على القطع الأجنبي والاستيراد والتسعير، ما سمح بتدفق السلع المنافسة، خصوصًا من تركيا، وزاد من الضغط على المنتج المحلي.

في المقابل، توقّف جزء كبير من الإنتاج المحلي نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة والخوف من الخسارة الرأسمالية مع تحسن قيمة الليرة الاسمي بشكل غير مستقر.

عوائق داخلية وخارجية

يواجه المصدّر السوري جملة من التحديات، بحسب غفير، أبرزها:

  • داخلية: ضعف البنية التحتية لعمليات النقل والشحن، قدم أسطول النقل البري، وارتفاع تكاليف الشحن الجوي، ما يحد من تصدير المنتجات الحساسة أو السريعة التلف.

  • خارجية: استمرار العقوبات التي تعرقل التحويلات المالية، التأخير في المعابر الحدودية (خصوصًا معبر نصيب)، المنافسة القوية في الأسواق، ورفض بعض الدول استقبال وسائل النقل القديمة مثل البرادات المصنعة قبل 2004.

ميزان تجاري خاسر

لا يزال العجز التجاري من أبرز سمات الاقتصاد السوري، إذ تراجعت الصادرات بشكل حاد بسبب تضرر القاعدة الإنتاجية وفتح باب الاستيراد، ما أغرق السوق المحلية بالبضائع الأجنبية. في المقابل، تعتمد الصادرات السورية بشكل أساسي على المواد الخام والمنتجات الزراعية ذات القيمة المضافة المحدودة، فيما تتركز الواردات على السلع المصنعة، كالأجهزة والسيارات والاتصالات.

حلول مطروحة

لتحسين تنافسية الإنتاج المحلي، يشدد عياش على ضرورة تطبيق “الحماية الذكية” عبر سياسات جمركية وانتقائية توازن بين حماية المنتج ودعم المنافسة. كما يدعو إلى اعتماد استراتيجيات نمو وتوسع مثل المشروعات المشتركة والترخيص والامتياز، بدل المواجهة المباشرة مع المنافسين.

كما يقترح تفعيل مفهوم العلامة التجارية الجغرافية لمنتجات سورية تمتلك مزايا تنافسية مطلقة، مثل الكزبرة، الكمون، الكرز، الرمان، زيت الزيتون، الفستق الحلبي، إضافة إلى الخراف السورية والحلويات والصناعات التراثية.

بين الشعارات والواقع

يبقى نجاح هيئة دعم الصادرات في إعادة الاعتبار للمنتج السوري مرهونًا بقدرتها على تحويل الشعارات التنموية إلى أدوات عملية، وتوفير بيئة منافسة عادلة تحمي الإنتاج المحلي وتفتح أمامه أسواقًا جديدة. وبين الطموح والتحديات، يظل هذا الملف اختبارًا رئيسيًا لجدوى السياسات الاقتصادية في المرحلة المقبلة.

اقرأ أيضاً:خطط جديدة لتحسين الأسعار وتشديد الرقابة على معامل الأدوية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.