عودة داعش إلى الواجهة: قراءة في تصاعد الهجمات شمال شرق سوريا

داما بوست -خاص

رغم مرور أكثر من خمس سنوات على سقوط آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، لا يزال التنظيم يثبت أنه لم يُهزم بالكامل. ومع حلول النصف الأول من أغسطس 2025، تصاعدت وتيرة الهجمات التي نفذتها خلاياه النائمة ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في مشهد يعكس تعقيد الوضع الأمني، واستمرار التحديات التي تواجهها السلطات المحلية في احتواء نشاط هذا التنظيم العابر للحدود.

عمليات داعش

أولاً: أرقام مقلقة خلال النصف الأول من أغسطس

بحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنسان، شهدت مناطق الإدارة الذاتية الكردية خلال النصف الأول من شهر أغسطس الجاري تنفيذ 14 عملية أمنية على يد خلايا تابعة لتنظيم داعش، أسفرت عن مقتل وإصابة 19 شخصًا:

12 عملية في دير الزور: خلفت مقتل 8 عسكريين، وإصابة 8 آخرين، إضافة إلى مقتل عنصر من التنظيم.

عملية واحدة في الحسكة: أسفرت عن مقتل عنصر من “قسد”.

عملية واحدة في الرقة: أدت إلى إصابة عنصر من “قسد”.

أنماط الهجمات:

تنوعت طرق الاستهداف بين:

1- كمائن مسلحة باستخدام الدراجات النارية.

2- تفجيرات بعبوات ناسفة زرعت على الطرق العسكرية.

3- اغتيالات فردية بواسطة إطلاق النار المباشر.

4- استهداف سيارات وصهاريج النفط في محاولة لخلق حالة من الرعب الاقتصادي.

5- هجمات صوتية مرتبطة بفرض “الزكاة” وفق مفاهيم التنظيم، كما حدث في بلدة الجرذي.

ثانيًا: التنظيم يعيد التموضع لا الانسحاب

يبدو واضحًا أن تنظيم داعش لا يسعى اليوم إلى استعادة السيطرة الجغرافية التقليدية، بل يعمد إلى تكتيك “الضرب والاختفاء”، معتمدًا على بيئة اجتماعية وأمنية تسمح بوجود خلايا صغيرة ومرنة، تستفيد من:

أ- الطبيعة الجغرافية المعقدة لأرياف دير الزور.

ب- الهشاشة الأمنية والتنافر بين بعض مكونات المجتمع المحلي و”قسد”.

ج- ثغرات في التعاون الاستخباراتي المحلي بسبب ضعف الثقة بين الأهالي والقوات الأمنية.

بلدة ذيبان كمثال:

شهدت ذيبان خلال الأيام الأولى من أغسطس عدة هجمات مسلحة، بينها استهداف مباشر لنقاط عسكرية لقسد والأسايش (قوى الأمن الداخلي)، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. اللافت أن هذه الهجمات جاءت متزامنة ومتكررة، مما يشير إلى تنسيق مسبق ومستوى عالٍ من الجاهزية.

ثالثًا: نظرة على الحصيلة الإجمالية منذ بداية عام 2025

لا تقتصر خطورة الظاهرة على ما جرى في أغسطس فقط، بل تكشف البيانات التراكمية منذ مطلع عام 2025 عن تصاعد خطير في وتيرة الهجمات، حيث بلغت:

153 عملية أمنية نفذتها خلايا التنظيم في مناطق الإدارة الذاتية.

64 قتيلًا، توزعوا على النحو الآتي:

45 من عناصر “قسد” والتشكيلات العسكرية المرتبطة بها.

8 من مقاتلي تنظيم داعش.

10 مدنيين.

1 متعاون مع “قسد”.

التوزيع الجغرافي لعمليات التنظيم منذ بداية العام:

تدل هذه الأرقام على أن محافظة دير الزور ما زالت تشكل المسرح الأبرز لعمليات التنظيم، الأمر الذي يفرض تحديًا خاصًا نظرًا لمساحتها الواسعة، وتشابك العوامل الجغرافية والقبلية فيها.

رابعًا: الأبعاد الاستراتيجية للهجمات

1. إثبات الوجود واستقطاب الأفراد:

في كل مرة يُظهر فيها التنظيم قدرة على تنفيذ عملية نوعية، يوجه رسالة لأنصاره المحتملين بأنه لا يزال قادرًا على تحدي السلطة الأمنية والعسكرية، وهو ما قد يسهم في استقطاب عناصر جديدة.

2. الضغط الاقتصادي والاجتماعي:

عمليات استهداف صهاريج النفط أو فرض “الزكاة” على المدنيين تؤكد سعي التنظيم إلى فرض سطوته الاجتماعية واستعادة مصادر تمويله التقليدية.

خامسًا: التحديات الأمنية والسيناريوهات المستقبلية

في ضوء هذه المعطيات، تبدو قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة التابعة لها أمام جملة من التحديات الملحّة:

1- صعوبة السيطرة الأمنية الكاملة على المناطق الريفية.

2- الافتقار إلى دعم استخباراتي محلي فاعل بسبب التوترات المجتمعية.

3- تكرار الهجمات في نفس المواقع دون نتائج واضحة للردع.

التنظيم لم يُهزم… بل يتحوّل

يشير تصاعد هجمات تنظيم داعش في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية إلى أن التنظيم لا يزال يمتلك بنية أمنية مرنة قادرة على التخفي والمباغتة. ورغم الجهود الأمنية والعمليات المضادة، إلا أن البيئة الأمنية في شمال وشرق سوريا لا تزال هشة ومفتوحة أمام الخطر.

صحيح أن تنظيم داعش لا يملك اليوم قوته السابقة، ولا السيطرة الترابية، لكنه يمتلك ما يكفي من المرونة والخبرة والدعم الخفي ليظل عنصر اضطراب مستمر في سوريا. ومع بقاء مناطق مثل دير الزور بؤرًا مفتوحة للنشاط الإرهابي، فإن الحديث عن القضاء الكامل على التنظيم لا يزال سابقًا لأوانه.

 

إقرأ أيضاً: قسد تتهم داعش بخطف عناصر في دير الزور

إقرأ أيضاً: تنظيم داعش في سوريا: أكثر من 100 هجوم منذ بداية 2025 يثير المخاوف الأمنية

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.