“تاكسي موتور” في سوريا: حل شعبي لأزمة النقل وارتفاع التكاليف
في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا وارتفاع تكاليف المواصلات، برزت الدراجات النارية كوسيلة نقل بديلة وشبه رسمية في عدد من المدن السورية، أبرزها دمشق، اللاذقية، طرطوس، حماة، وعدد من البلدات والقرى الريفية. وانتشرت هذه الظاهرة بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في المناطق المكتظة حيث تُستخدم الدراجات لنقل الركاب مقابل أجور أقل من سيارات الأجرة التقليدية.
الدراجات النارية وسيلة نقل شعبية في ظل الغلاء
باتت “تاكسي الدراجات النارية” في سوريا خياراً عملياً لفئات واسعة من المجتمع، لا سيما أصحاب الدخل المحدود، الطلاب، العمال، والمزارعين. في مدينة بانياس الساحلية، ينتشر سائقو الدراجات قرب الدوارات والأسواق، منادين على الركاب بطريقة مشابهة لسائقي سيارات الأجرة.
ويقول محمد بياسي (21 عاماً)، أحد السائقين، لـ “العربي الجديد” إن تكلفة تشغيل الدراجة النارية منخفضة جداً، حيث يستهلك لتر واحد من البنزين لمسافة تصل إلى 40 كيلومتراً. ويضيف: “نخدم الزبائن بأجور أقل بنحو 50% من التاكسي، وننقلهم لمسافات قصيرة داخل المدينة، وغالباً ما يكون الزبائن من المزارعين والطلاب”.
بديل اقتصادي وواقعي في المدن والقرى
ظاهرة استخدام الدراجات كوسيلة نقل عامة غير رسمية ليست جديدة، بل تطورت خلال السنوات الأخيرة مع تراجع خدمات النقل العام وارتفاع أسعار الأجرة. ويؤكد عبد الله الشغري، وهو من سكان بانياس، أن هذه الظاهرة أصبحت جزءاً من الحياة اليومية، رغم غياب التراخيص القانونية.
أما في اللاذقية، فيتنقل سائقون مثل فادي زيتون يومياً بدراجاتهم بين الساحات والمراكز الحيوية، ويقول: “رغم الحملات الأمنية، لا يزال العديد منّا يعملون في هذه المهنة. نحتاج فقط إلى ترخيص رسمي، فالدراجة وسيلة نقل اقتصادية وسريعة ومناسبة للمدن المزدحمة”.
يضيف زيتون أن دخله من العمل بالدراجة النارية يفوق ما يجنيه من أي وظيفة تقليدية، رغم ساعات الانتظار الطويلة والتحديات المناخية.
الأمان مفقود… لكن الأسعار تجذب الزبائن
ورغم غياب عوامل الأمان والسلامة المرورية، مثل الخوذ والحماية من الحوادث، فإن الدراجة النارية تبقى خياراً مغرياً للكثير من المواطنين بسبب أجرتها المنخفضة وقدرتها على تجاوز الزحام.
يقول علاء دالاتي، أحد السكان في مدينة اللاذقية: “أحياناً أضطر لركوب دراجة نارية لأصل بسرعة، رغم شعوري بالخوف طوال الطريق. السائقون يتجاوزون السيارات ويتنقلون بسرعة، لكن السعر مقبول، خاصة عندما أكون وحدي”.
وتبلغ أجرة الدراجة النارية لمسافة 5 كيلومترات نحو 9 آلاف ليرة سورية (حوالي دولار واحد)، وترتفع إلى 15 ألف ليرة لمسافة 10 كيلومترات، مما يجعلها في متناول العديد من المواطنين مقارنة بسيارات الأجرة.
قانونياً: مهنة غير مرخصة… وملاحقة غير صارمة
من الناحية القانونية، تُعد هذه المهنة غير مرخصة، ويواجه سائقو الدراجات مخالفات مرورية إن تم ضبطهم وهم ينقلون الركاب مقابل أجر. ويؤكد أحد عناصر شرطة المرور في دمشق أن القانون يمنع استخدام الدراجات النارية لنقل الركاب، خاصة إذا لم تكن الدراجة مسجلة.
لكن الواقع الاقتصادي الصعب دفع بالكثير من الجهات الرقابية إلى غض الطرف عن هذه الممارسات، خصوصاً في المناطق الريفية أو المدن الصغيرة التي تفتقر إلى النقل العام الفعال.
قرى ريف حماة: الدراجة وسيلة النقل الوحيدة بعد العودة من النزوح
في قرى ريف حماة، أصبحت الدراجات النارية وسيلة التنقل الرئيسية بعد عودة الكثير من العائلات إلى قراها عقب سنوات من النزوح. يقول عبد القادر خضرو من قرية الدليبة: “لا توجد وسائل مواصلات عامة تصل إلى منطقتنا، فبدأنا استخدام الدراجات لتلبية الحاجة الملحة للتنقل”.
وأضاف أن تكاليف النقل منخفضة وتتناسب مع أوضاع الناس الاقتصادية، مما جعل الدراجة النارية تحل مكان الحافلات وسيارات الأجرة في هذه المناطق.
“تاكسي” الدراجة النارية… حل شعبي لأزمة النقل في سوريا
مع تفاقم أزمة المواصلات في سوريا وغياب الدعم الحكومي لقطاع النقل، برزت الدراجات النارية كخيار بديل وفعّال للعديد من السوريين، رغم كونها غير قانونية رسمياً. وساهمت في توفير وسيلة نقل منخفضة التكاليف وسريعة في ظل ازدحام المدن، خصوصاً في غياب البدائل الرسمية أو العامة.
ومع استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة، قد تشهد هذه الظاهرة تنظيماً أو تقنيناً رسمياً في المستقبل، خاصة في حال تم إيجاد آلية قانونية لمنح التراخيص وتطبيق إجراءات السلامة.
إقرأ أيضاً: الرواتب في سوريا بين الدولار والليرة: تحديات الإصلاح المالي
إقرأ أيضاً: زيادة الرواتب بنسبة 200% في سوريا تُشعل الأسعار وتثير جدلاً حول آثارها المعيشية