داما بوست – خاص
ينتشر تنظيم “داعش” على شكل مجموعات منفصلة ولا يبدو أنها تتبع لـ قيادة موحدة تدير عملياتها، والتقديرات تؤكد أن المجموعات المنتشرة في البادية السورية لا تنسق بأي شكل مع بقايا التنظيم في المناطق الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، ويبدو أن “داعش”، لم يعد قادراً على إعادة تشكيل نفسه في هيكل موحد يمكن له أن يؤثر في الحدث السوري كما فعل سابقاً، وذلك لعدة أسباب.
المجموعات التي تنتشر في البادية السورية والتي تتمركز بشكل أساس في المناطق الواقعة بالأطراف الشمالية لمنطقة خفض التصعيد المحيطة ببلدة التنف، والتي تعرف باسم منطقة الـ 55 كم، تنقسم عملياتها على مستويين، في الأول تتحرك بأوامر مباشرة من قاعدة الاحتلال الأمريكي في التنف، لتنفيذ ضربات سريعة على مواقع الجيش السوري، والثانية تأتي لتأمين موارد التمويل والبقاء من خلال عمليات السطو المسلح التي تنفذها مستهدفة القوافل التجارية أو مخيمات رعاة المواشي، وبات عمل المجموعات التي تنشط في البادية أشبه بـ قطاع الطرق لا أكثر.
وضمن مناطق شرق الفرات، تعمل بقايا التنظيم على شكل عصابات سطو لا أكثر، فالهجمات التي تنفذها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” تأتي محدودة، فيما تستمر في تهديد السكان وخاصة ذوي الحالة المادية المتوسطة والجيدة لدفع الأموال لهذه المجموعات بمسمى “الزكاة”، وتحت التهديد بـ القتل، والأمر لا يعدو كونها مجموعات لم يقم عناصرها بالاستسلام لـ “التحالف الأمريكي” في اتفاق باغوز فوقاني من العام 2019 خشية من نقلهم إلى السجون التي تسيطر عليها “قسد”، ولأن خروجهم من سورية عملية شبه مستحيلة كان لابد لهم من مصادر تمويل للبقاء.
وجود هذه المجموعات على الرغم من كونه محدود التأثير في المنطقة الواقعة إلى الشرق من نهر الفرات، يخدم الحجة الأمريكية التي تبرر من خلالها واشنطن بقاء قواتها في الأراضي السورية، وبالتالي لم يكن لدى الأمريكيين أو حتى “قوات سوريا الديمقراطية” أي نية في أي وقت مضى للتخلص من وجود هذه المجموعات، وعمليات الإنزال التي تنفذ منذ العام 2019 لاعتقال شخصيات معينة، تأتي للوقوف على معلومات عن أماكن إخفاء الأموال الطائلة التي كانت بحوزة تنظيم “داعش” حينما كان في زمن قوته، والدليل على ذلك العملية التي نفذه خلال الصيف الماضي بالقرب من “الدشيشة”، من خلال مجموعات الاحتلال و”قسد” لاستخراج كميات من الأموال التي كانت مدفونة قرب القرية المذكورة في ريف الحسكة الجنوبي.
الأسباب الرئيسة في عدم قدرة التنظيم على إعادة تشكيل نفسه حالياً، تكمن في فقدانه “التخويف”، كسلاح لإجبار السكان على إعلان الولاء له، وحتى الموالون له ممن اعتنقوا عقائده المتشددة، باتوا يرون في عودة التنظيم إضراراً بمصالحهم بعد عقد صفقات مع “قسد”، في هذا الخصوص، كما إن موارد التمويل التي كان يعتمد عليها التنظيم بشكل أساسي من حقول نفط وغاز والمواسم الزراعية، باتت تحت سيطرة قوات الاحتلال الأمريكي، الأمر الذي جعل قدرة التنظيم على استقطاب المقاتلين الأجانب معدومة، بل إن الأمر بات معكوساً، فمن يوالي التنظيم من الأجانب المقيمين في مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي يحاولون الهروب من المخيم إلى خارج الأراضي السورية ككل.
تشير المعطيات إلى أن اختفاء قيادات الصف الأول من التنظيم وعلى رأسهم الزعيم (الخليفة)، الحالي الذي قلما يذكر اسمه سبب في انعدام ثقة الموالين لعقائد “داعش” في إقامة الدولة الإسلامية، بهذه القيادات، ويعتقد أن بعضاً منهم يتخفون ضمن المناطق التي تخضع لسطوة الاحتلال الأمريكي ومن يواليه من الفصائل المسلحة في محيط بلدة التنف، فيما تشير التقديرات إلى أن قيادات الصف الأول تتواجد ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال التركي من مناطق الشمال السوري أو ضمن محافظة إدلب، وهذا ما تسبب بتصفية أكثر من شخصية بارزة في التنظيم على رأسهم متزعمه الأول “أبو بكر البغدادي”، الذي قتل في عملية أمريكية شمال غرب محافظة إدلب.
عدم قدرة “داعش” على إعادة تشكيل نفسه حقيقة لا يمكن تقديم أي معلومة مضادة لها حتى بالحديث عن “مخيم الهول”، الذي من بين سكانه عدد ضخم من الفتيان الذين كبروا ضمن المخيم خلال السنوات الخمس الماضية، وعلى الرغم من إن الفكرة النظرية لإعادة تشكيل هؤلاء ضمن قوام تنظيم متطرف قد تكون معقولة، إلا أنه من المفترض أن “قسد”، والاحتلال الأمريكي يفرضون سيطرتهم المطلقة على المخيم ولا يوجد إمكانية لخرقه أمنياً من حيث دخول الأسلحة أو ما شابه إلا إن سهلت “قسد”، ومن خلفها “واشنطن”، الأمر لغاية سياسية، ويبدو أن التصريحات التي تخرج من “قسد”، والأمريكيين مؤخراً بخصوص أن الضربات التركية لمناطق الحدود سهلت عودة ظهور “داعش”، على الرغم من عدم منطقية الربط بين الأمرين لكون كل منهما لا يؤثر أو يتأثر بالآخر، فإن الهدف منها قد يكون تمهيداً لإطلاق مجموعة من عناصر التنظيم في الأراضي السورية من جديد، لهدف أمريكي قد لا يبدو غامضاً، فمحاربة الدولة السورية وحلفاءها بعناصر “داعش”، أفضل من الذهاب نحو مواجهة مفتوحة ومباشرة من قبل “قسد” أو واشنطن.