نتائج المفاضلة الجامعية في سوريا 2025: بين الوعود والاتهامات
لم يمرّ يوم 11 تشرين الثاني 2025 بوصفه موعداً عادياً لإعلان نتائج القبول الجامعي في سوريا؛ إذ تحول إلى محطة اختبار للثقة بقدرة الحكومة الانتقالية على إدارة ملف التعليم في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق. فنتائج مفاضلة العام الدراسي 2025-2026 فجّرت نقاشاً واسعاً بين من اعتبرها بداية إصلاح ضروري للبنية التعليمية، وبين من رآها انعكاساً لخيبة جديدة يعيشها “جيل الحرب”.
ووفق بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بلغ عدد المتقدمين إلى المفاضلة العامة والموازي والتعليم الخاص 249,970 طالباً وطالبة من مختلف المحافظات، بينهم حملة شهادات الثانوية القديمة. وعلى الرغم من إعلان الوزارة عن تراجع نسبي في معدلات القبول ببعض الكليات، وخاصة السنة التحضيرية للكليات الطبية (210.7 للعام و205.4 للموازي)، إلا أن شريحة واسعة من الطلاب وصفت المفاضلة بأنها “غير منصفة” بالنسبة لفئة عانت سنوات الحرب.
إحباط بين الطلاب واتهامات بالتمييز
مشاعر الإحباط لم تقتصر على التعليقات في مواقع التواصل والمنصات الطلابية. فالطالبة إيناس الزين، العائدة إلى سوريا بعد سنوات من الاغتراب، عبّرت في حديثها لـ”المدن” عن خيبة أمل كبيرة، قائلة إن رفع معدلات القبول حرم العديد من الطلاب من الوصول إلى اختصاصاتهم المستحقة. وأضافت: “نحن الطلاب الذين عاشوا الحرب والغربة حاولنا بكل ما نملك أن نكمل تعليمنا رغم الظروف. واليوم نواجه مفاضلة تتعامل معنا وكأن جهودنا لم تُحتسب. لا نبحث عن استثناءات، بل عن عدالة فقط”.
تصريحات مشابهة انتشرت عبر الصفحات الطلابية، حيث كتب أحد الطلاب: “إعادة بناء سوريا المدمرة يجب أن تبدأ من التعليم. هذا الجيل الذي كبر على أصوات الحرب كان يستحق فرصة استثنائية لا مزيداً من العوائق”.
وفي تعليق آخر حمل بعداً سياسياً قال أحد الطلاب: “رفع المعدلات على حملة الشهادات القديمة هو تمييز مقنّع ضد أبناء الثورة”.
هذه المواقف، وإن اختلفت دوافعها، تشير إلى فجوة بين تطلعات الطلاب ورؤية المؤسسات الرسمية في مرحلة تتطلب إعادة هيكلة كاملة لقطاع التعليم.
وزارة التعليم: “مقعد لكل طالب”
في المقابل، حاولت وزارة التعليم العالي تبديد المخاوف، مؤكدة أنها تعمل على ضمان حق كل طالب في مقعد جامعي. وقال أحمد الأشقر، مدير المكتب الإعلامي في الوزارة، في تصريح تداولته وسائل إعلام محلية: “لا نية لإقصاء أحد. وسيتم الإعلان قريباً عن مفاضلة لملء الشواغر بهدف تأمين مقعد لكل طالب لم يحصل على قبول”.
وبحسب معلومات الوزارة، يتجاوز عدد الشواغر المتاحة في الجامعات 30 ألف مقعد، ما دفعها إلى التحضير لمفاضلة إضافية تشمل التعليم العام والموازي والخاص. وتتجه الخطة أيضاً نحو توسيع الطاقة الاستيعابية للجامعات وفتح باب التسجيل المباشر في بعض الفروع التي لا تزال فيها شواغر.
مفاضلة جديدة… ونافذة أمل ثانية
تؤكد الوزارة أن المفاضلة الإضافية ستُتاح لجميع الطلاب، بمن فيهم حملة الشهادة الثانوية السورية وغير السورية، إضافة إلى حملة الشهادات القديمة، بهدف “تحقيق تكافؤ الفرص” في سياق مرحلة انتقالية تتطلب إعادة بناء الثقة بين المؤسسات والطلاب.
بالنسبة لكثيرين ممن لم يحصلوا على قبول، تبدو المفاضلة الجديدة فرصة ثانية، لكنها بالنسبة لآخرين مجرد حل إسعافي مؤقت لا يعالج جوهر المشكلة المتمثل — بحسب رأيهم — في آلية تحديد المعدلات وعدم مراعاة آثار الحرب على العملية التعليمية.
جيل ينتظر إصلاحاً حقيقياً
ورغم الجدل، تسود في الوسط الطلابي حالة من الترقب. فهناك قناعة لدى الكثير من الطلاب بأن المرحلة الانتقالية تمثل فرصة لإعادة النظر في السياسات التعليمية، بشرط أن تتحول الوعود الحكومية إلى إجراءات ملموسة.
وتختم إيناس حديثها برسالة تعكس نبض شريحة واسعة من الطلاب: “لسنا أرقاماً في قوائم القبول. نحن جيل حمل آثار الحرب على كتفيه. كل ما نطلبه أن نُعامل على أساس ما مررنا به، وأن تُعطى لنا فرصة عادلة لبداية جديدة”.
وبين الاتهامات الشعبية بالظلم والتأكيدات الرسمية على العدالة، تبدو مفاضلة الجامعات السورية لعام 2025 مؤشراً على مفترق طرق: دولة تحاول إصلاح قطاعها التعليمي وسط تغيّرات سياسية عميقة، وجيل يسعى لإثبات أن مستقبله لا يُقاس بالمعدل فقط.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الحكومة الانتقالية في تحويل المفاضلة الجديدة إلى اختبار للعدالة التعليمية، أم يستمر الجدل بوصفه انعكاساً لخيبات أوسع لدى جيلٍ ينتظر مكانه في سوريا الجديدة؟
اقرأ أيضاً:الدروس الخصوصية في سوريا.. تعليم موازٍ يكشف عمق الأزمة المعيشية