تقرير حقوقي: فصائل “الجيش الوطني” تواصل فرض الإتاوات على مزارعي عفرين
أصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً حقوقياً جديداً كشفت فيه عن استمرار فرض الإتاوات على مزارعي الزيتون في منطقة عفرين شمال غربي سوريا، من قبل فصائل تابعة لـ“الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، رغم إعلان تلك الفصائل حلّ نفسها واندماجها ضمن هياكل وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية.
وبحسب التقرير، الذي استند إلى 39 شهادة تفصيلية لمزارعين ومالكي معاصر زيتون جميعهم من الأكراد، فإن فرض الإتاوات يجري بشكل ممنهج منذ عام 2018، عقب عملية “غصن الزيتون” التي سيطرت بموجبها القوات التركية وفصائل المعارضة على المنطقة، وسط غياب شبه كامل لأي حماية قانونية أو قضائية للمزارعين.
إتاوات متفاوتة ووسائل جباية متعددة
ويوضح التقرير أن الفصائل التي شاركت في جباية الأموال تشمل مجموعات منضوية سابقاً في “الجيش الوطني”، مثل “السلطان سليمان شاه/العمشات”، “الحمزات”، “السلطان مراد”، “الفرقة التاسعة”، “المنتصر بالله”، “المعتصم”، “فيلق الشام”، و“الفصيل 51” التابع لـ“الجبهة الشامية”.
ويشير التقرير إلى أن تلك الفصائل، رغم إعلانها الانحلال بعد سقوط نظام بشار الأسد في دمشق، ما تزال تمارس نفوذاً فعلياً في بعض القرى والمناطق بعفرين، وتواصل فرض الضرائب على محصول الزيتون وأشجارها.
وتنوعت الإتاوات المفروضة بحسب مناطق السيطرة، فشملت رسوماً على الأشجار المثمرة وغير المثمرة، وأخرى تحت ذريعة “الحراسة” أو “جني المحصول” أو “عصر الزيت وتسويقه”. وتُجبى هذه الرسوم نقداً أو عيناً — على شكل حصة من الزيت أو المحصول — عبر المكاتب الاقتصادية والأمنية التابعة للفصائل، وغالباً بمشاركة بعض المخاتير المحليين الذين يملكون قوائم تفصيلية بعدد أشجار الزيتون لكل مزارع.
تهديدات ومصادرة أملاك
أفاد مزارعون أن من يرفض دفع الإتاوات يتعرض لعقوبات مختلفة، تبدأ بالتهديد وتنتهي بالضرب أو الاعتقال أو مصادرة الممتلكات، بل تصل في بعض الحالات إلى قطع الأشجار. كما أن أي محاولات لرفع شكاوى أو تظلمات تواجه برفض أو تجاهل تام من الجهات المسيطرة، في ظل انعدام المساءلة القانونية وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب.
وذكر التقرير أن الإتاوات لا تقتصر على الأراضي التي يقيم أصحابها في القرى، بل تشمل أيضاً المزارع العائدة للنازحين داخل عفرين أو خارجها، حيث تُفرض الضرائب حتى على أقاربهم الذين يتولّون رعاية الأراضي وجني المحاصيل نيابةً عنهم.
إنذار مبكر بعد سقوط النظام
ولفتت المنظمة إلى أن صدور التقرير يأتي بعد أقل من عام على سقوط نظام بشار الأسد، ويحمل ما وصفته بـ“الإنذار المبكر” حول مخاطر استمرار الفوضى والانتهاكات في مرحلة ما بعد النظام، إذا لم تُتّخذ إجراءات واضحة لحماية الحقوق الزراعية ووقف النهب الذي يتعرض له المزارعون هذا الموسم (2025).
وأكد التقرير أن استمرار هذه الممارسات يعكس هشاشة مؤسسات الضبط في الحكومة الانتقالية، وعدم قدرتها على فرض سلطتها في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” السابق، محذّراً من أن تكرار مثل هذه الانتهاكات قد يهدد الاستقرار الاجتماعي في شمال البلاد.
انتهاكات بحق العائدين
وفي سياق متصل، وثّقت تقارير محلية وحقوقية أخرى استمرار الاعتقالات والانتهاكات بحق المدنيين العائدين إلى منازلهم في عفرين، رغم إعلان الفصائل حلّ نفسها واندماجها ضمن مؤسسات الدولة.
وتحدثت المصادر عن تسجيل حالات توقيف جديدة طالت مدنيين عادوا بعد سنوات من النزوح، دون صدور أي موقف رسمي من الجهات الأمنية أو وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية.
ويرى مراقبون أن صمت السلطات يثير تساؤلات حول الجهة المسؤولة فعلاً عن حماية المدنيين وضمان حقوقهم، خصوصاً في ظل استمرار سيطرة الفصائل السابقة على مفاصل محلية وأمنية في المنطقة.
ويشير هؤلاء إلى أن غياب المحاسبة يجعل من الصعب التمييز بين “الحكومة الانتقالية” والفصائل المسلحة التي كانت تسيطر ميدانياً، مما يضعف ثقة السكان بأي عملية إصلاح أو إعادة هيكلة للقطاع الأمني.
ويخلص التقرير إلى أن ضمان حماية الحقوق الزراعية والملكية الخاصة في عفرين يتطلب تفكيك شبكات الجباية غير القانونية وإخضاع المسؤولين عنها للمساءلة، باعتبارها خطوة أساسية نحو ترسيخ دولة القانون والحد من الانتهاكات التي تمس سبل العيش والأمن الاجتماعي للسكان المحليين.
اقرأ أيضاً:عقب زيارة الشيباني إلى تركيا.. الدفاع تتهم قسد بخرق وقف إطلاق النار شرق حلب