تزايد أزمة الأجور في سوريا: فجوة قاتلة بين الدخل والمعيشة
تتفاقم أزمة الأجور في سوريا لتصبح واحدة من أعظم العراقيل أمام أي تعافٍ اقتصادي حقيقي، ليس فقط في دمشق، بل في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الانتقالية.
فجوة هائلة بين الدخل وتكاليف المعيشة:
يشير تحليل أكاديمي إلى وجود فجوة كارثية بين متوسط دخل المواطن وتكاليف الحياة اليومية، مما دفع لطرح مطالب برفع الحد الأدنى للأجور ليُضاهي ثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن، تفاديًا لغرق الاقتصاد في ركود شامل.
يقول الدكتور علي كنعان، عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إن متوسط الدخل الشهري للعامل في القطاعين العام والخاص لا يتجاوز اليوم حدود الـ مئة دولار أميركي تقريبًا. ويعتبر أن هذه القيمة المتدنية تعكس اختلالًا في التركيبة الاقتصادية الوطنية، لا تتناسب مع الأسعار المحلية المتزايدة.
التضخم يلتهم الأجور المتواضعة:
ويضيف كنعان أن تلك الأرقام تضع سوريا في مرتبة استثنائية من حيث تدهور القوة الشرائية، مشيرًا إلى أن لا دولة في العالم يتقاضى موظفوها أجور ضئيلة إلى هذا الحد، في ظل تكاليف معيشية تتجاوز أضعاف ذلك المبلغ.
بحسب بيانات حديثة، بلغ معدل التضخم السنوي حوالي 15.87٪ في فبراير 2025، وسط هبوط حاد في قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
العيش تحت خط الفقر:
بعد الزيادة الأخيرة التي أقرتها الحكومة – نحو 200٪ – أصبح الحد الأدنى للأجور يبلغ 750 ألف ليرة سورية شهريًا، أي ما يقل عن 100 دولار تقريبًا، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية للعائلات.
وكما يؤكد كنعان، فإن غالبية السوريين باتت تعيش تحت خط الفقر المدقع، في ضوء المعايير الدولية التي تضع معيشة الفرد اليومي عند 2.25 دولار تقريبًا.
تشير تقديرات مستقلة إلى أن تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة من خمسة أفراد قد تتجاوز 12 مليون ليرة سورية. وسط هذا الواقع، يعيش 90٪ من السوريين تحت خط الفقر في معظم المناطق.
ركود وتآكل للطبقة الوسطى:
يشدد كنعان على أن استمرار هذا الوضع من دون إصلاحات جذرية سيؤدي إلى اختفاء ما تبقى من الطبقة الوسطى، وتعميق الركود الاقتصادي، إذ لن تتمكن الأسر من تغطية احتياجاتها الأساسية، ناهيك عن الادخار أو الإنفاق على التعليم أو الصحة.
ويرى أن تحريك عجلة الإنتاج أو تنشيط الطلب المحلي لن ينجح إلا إذا طُبّقت إصلاحات في منظومة الأجور، تضمن تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
مقاربة شاملة لا زيادات شكلية:
يطالب كنعان بأن تكون الزيادات في الأجور جزءًا من سياسة اقتصادية شاملة تشمل إصلاحًا ضريبيًا، دعمًا حكوميًا، وضبطًا للأسواق. ويرى أنه يجب ربط الأجور بالإنتاجية، وتحويل الدخل إلى عامل محفّز للنمو، وليس مجرد زيادة تضخمية.
ويختم بأن رفع الأجور إلى مستوى يلبي الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة هو خطوة أولى لإعادة الثقة بالاقتصاد الوطني، معتبرًا أن تجاهل هذا الأمر يعني مزيدًا من التراجع في الكفاءة، وزيادة الهجرة، وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل.
سياق الزيادات الأخيرة:
من الجدير بالذكر أن الحكومة الانتقالية في سوريا أصدرت مرسومًا (رقم 102) لرفع رواتب العاملين في القطاع العام بنسبة 200٪، ليُصبح الحد الأدنى للأجور حوالي 750 ألف ليرة سورية (ما يقارب 75 دولارًا في السوق الموازية).
وبالرغم من هذه الزيادة، لا تزال الفجوة بين الدخل والتكاليف كبيرة جدًا، إذ أن غالبية العاملين لا يستطيعون تأمين سلة غذائية أو تغطية المصاريف الأساسية الشهرية.
إقرأ أيضاً: مخاطر اقتصادية تلوح في أفق إصدار العملة السورية الجديدة
إقرأ أيضاً: 7 ملايين ليرة شهرياً لتأمين المعيشة.. حماية المستهلك تحذر من شتاء قاسٍ يواجه الأسر السورية