الانقسامات تهدد “سوريا الجديدة”.. مخاوف من انهيار داخلي بعد سقوط الأسد

بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة جديدة إلى سدة الحكم في دمشق، تقف سوريا على أعتاب مرحلة حساسة يصفها مراقبون بـ”الهشة”، إذ تواجه البلاد تحديات عميقة تتجاوز إعادة الإعمار والاقتصاد، لتطال بنية المجتمع نفسه الذي أنهكته ثلاثة عشر عاماً من الحرب والانقسام.

ورغم محاولات السلطة الجديدة إظهار نفسها كرمزٍ لـ“التحول السياسي”، فإن مؤشرات الانقسام الداخلي تتزايد، مهددةً بتحويل “سوريا الجديدة” إلى كيان منقسم ومتعثر منذ لحظة ولادته.

إرث طويل من الانقسام

يقول الباحث الأمريكي اللبناني جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، في مقال نشره موقع ذا ناشيونال، إن سوريا “كانت دائماً ضحية تلاقي المصالح الخارجية والانقسامات الداخلية”، بدءاً من الانتداب الفرنسي وتقاسم النفوذ البريطاني، مروراً بعقود الحكم العسكري ثم ديكتاتورية الأسد، وصولاً إلى الحرب التي اندلعت عام 2011.

ويرى زغبي أن الصراع في سوريا لم يكن يوماً “سورياً خالصاً”، بل ساحةً مفتوحة لتقاطع الأجندات الإقليمية والدولية. فقد تدخلت فيها قوى كإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، إضافة إلى فصائل لبنانية وفلسطينية وتنظيمات متطرفة، “حتى بدا المشهد وكأنه حرب بلا قواعد”.

حكام جدد.. وأخطاء مبكرة

مع دخول الفصائل الإسلامية التي كانت تسيطر على إدلب إلى دمشق، اعتقد كثيرون أن البلاد فتحت صفحة جديدة، لكنّ المشهد السياسي سرعان ما كشف تعقيداته. فالحكومة الجديدة، التي حاولت الظهور بخطاب معتدل ومؤسسات مدنية، ارتكبت – وفق ذا ناشيونال – “أخطاء متوقعة” تمثلت في إقصاء عشرات الآلاف من موظفي الدولة والجيش والشرطة الذين عملوا في ظل النظام السابق، بدلاً من طمأنتهم أو دمجهم.

تسببت تلك الإجراءات بانعدام الثقة وتراجع الأمن وازدياد التوتر داخل مناطق النفوذ الحكومية، حيث ما يزال العديد من المسرّحين يحتفظون بأسلحتهم، ما جعل الحكومة الجديدة نفسها مهددة من الداخل.

فوضى الميليشيات وتوجّس المجتمعات

ورغم الخطاب الإصلاحي الذي تروّج له السلطة الجديدة، تشير تقارير ذا ناشيونال إلى أن الحكومة لا تملك سيطرة كاملة على الميليشيات التي قاتلت إلى جانبها خلال الحرب. بعضها ما يزال يعمل باستقلال شبه تام في الأرياف والضواحي، ما يعيد شبح الفوضى ويهدد استقرار العاصمة.

إلى جانب ذلك، لا تزال المكوّنات السورية المتنوعة – العلوية والسنية والكردية والمسيحية والدرزية – تنظر بحذر إلى الحكومة الجديدة، خصوصاً أن جذورها تعود إلى فصيل متشدد، ما يعمّق حالة الريبة ويضعف فرص بناء وحدة وطنية حقيقية.

بين الإصلاح والضغوط الخارجية

تواجه دمشق اليوم معادلة صعبة: فهي مطالبة بإطلاق عملية إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، في حين تبقى خاضعة لعقوبات دولية تبقيها على قوائم الإرهاب في مجلس الأمن. الدول الغربية، بحسب زغبي، تنتظر “إثبات حسن النية” قبل أي دعم، بينما ربطت واشنطن تخفيف العقوبات بإمكانية التوصل إلى تفاهمات أمنية مع “إسرائيل”، وهو شرط يثير انقسامات حادة داخل الائتلاف الحاكم.

هذه الضغوط تضع الحكومة الجديدة أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الانفتاح على الخارج والمخاطرة بتفككها الداخلي، أو الانغلاق والعودة إلى أساليب أكثر قمعاً لتأمين بقائها. وفي الحالتين، كما يحذر زغبي، قد تتحول “سوريا الجديدة” سريعاً إلى نسخة أكثر هشاشة من النظام السابق.

مستقبل غامض

ورغم سقوط النظام القديم، تبقى الأسئلة مطروحة حول قدرة الحكومة الجديدة على إدارة دولة معقدة ومتنوعة مثل سوريا، وعلى تجاوز إرث الانقسامات الطائفية والسياسية التي تراكمت عبر عقود.

ويختتم زغبي مقاله بالقول: “إن كانت هناك لحظة تحتاج فيها البشرية إلى أمم متحدة قوية وفاعلة، فهي الآن. فغياب آلية دولية محايدة تفرض سيادة القانون وتمنع التدخلات الإقليمية سيترك سوريا وشعبها لمصيرٍ تحدده نزوات القوى الخارجية.”

اقرأ أيضاً:تزايد أزمة الأجور في سوريا: فجوة قاتلة بين الدخل والمعيشة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.