كيف ستبدأ أنقرة إعادة هيكلة الجيش السوري؟
بدأت أنقرة فعلياً عملية تدريب الجيش السوري الجديد، في إطار اتفاق تعاون عسكري وأمني مع دمشق، وسط نقاش واسع حول طبيعة احتياجات هذا الجيش الناشئ والصعوبات التي قد تواجه إعادة تأسيسه، في ظل تركة ثقيلة خلفها انهيار الجيش السابق بفعل الحرب والضربات الإسرائيلية المتكررة.
وقال مصدر في وزارة الدفاع التركية، الخميس الماضي، إن تركيا شرعت في تقديم التدريب العسكري والاستشارات الفنية والدعم اللوجستي للقوات المسلحة السورية، بموجب مذكرة تفاهم وُقّعت الشهر الماضي، تشمل التبادل المنتظم للعسكريين للمشاركة في دورات متخصّصة في مجالات مكافحة الإرهاب، إزالة الألغام، الدفاع السيبراني، الهندسة العسكرية، واللوجستيات، إلى جانب التدريب على عمليات حفظ السلام ورفع قدرات القيادة.
وجود عسكري تركي ثابت
وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قد أوضح في يونيو/حزيران الماضي أن قوات بلاده تواصل تقديم التدريب والمشورة، وأن نحو 20 ألف جندي تركي ما زالوا متمركزين في الشمال السوري، مشدداً على أن الانسحاب لن يتم إلا حين يتحقق الاستقرار الكامل وتزول المخاطر الأمنية على الحدود. ويرى محللون أتراك أن القواعد العسكرية التركية في سورية قد تتحول إلى مراكز تدريب مشتركة مع الجيش السوري الجديد، مع دور محتمل للقواعد الجوية في إعادة بناء سلاح الجو السوري.
تدريبات داخل تركيا
وبحسب مصدر في وزارة الدفاع السورية، فإن المئات من الضباط والعناصر يخضعون حالياً لدورات تدريبية داخل تركيا، تركز على الإدارة والتنظيم واستخدام المعدات الحديثة، مع توقعات بزيادة الأعداد خلال الفترة المقبلة. كما أُرسلت وفود تركية فنية إلى سورية لتقييم الاحتياجات الميدانية، في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع السورية عن إعادة فتح مراكز التجنيد والتعبئة لاستقطاب متطوعين، بهدف رفع عدد الجيش إلى نحو 200 ألف جندي خلال خمس سنوات، بعد أن تقلص عدده إلى ما يقارب 100 ألف مقاتل معظمهم من فصائل المعارضة السابقة.
وتشير تقديرات إلى أن خطط إعادة التشكيل تشمل إلغاء التجنيد الإلزامي الذي كان معمولاً به قبل عام 2011، مع الاعتماد على التطوع واستقطاب الكفاءات الشابة، إلى جانب دمج الفصائل المسلحة ضمن الجيش الجديد، وهي عملية ما زالت تواجه عقبات عدة.
هيكلية جديدة وتحديات أمنية
ويرى خبراء عسكريون أن الجيش السوري الجديد بحاجة إلى هيكل تنظيمي يختلف عن السابق، يقوم على الكفاءات التكنولوجية واللياقة البدنية، لا على العدد الكبير من المجندين. واعتبر العميد المتقاعد عبد الله الأسعد أن التركيز يجب أن يكون على تطوير الكليات العسكرية ورفع مستوى التأهيل بعيداً عن ذهنية الخدمة الإجبارية، فيما أكد الباحث رشيد حوراني أن التعاون مع تركيا يسير على مسارين: الأول تدريبي لتعزيز القدرات البشرية من خلال دورات وأكاديميات عسكرية، والثاني تسليحي عبر تزويد الجيش بمنظومات دفاع جوي وقوة جوية تمكّنه من مواجهة التهديدات، خصوصاً من “إسرائيل”.
وفي هذا السياق، نفت وزارة الدفاع التركية، الخميس الماضي، تقارير إسرائيلية تحدثت عن تدمير معدات دفاع جوي تركية في غارة إسرائيلية على قاعدة جوية في حمص. وكانت مصادر إسرائيلية قد زعمت أن الهجوم استهدف مخازن صواريخ ومنظومات دفاعية تركية الصنع.
تجاوز الحالة الفصائلية
من جانبه، يرى المحلل السياسي وائل علوان أن التعاون مع تركيا يهدف إلى تجاوز الحالة الفصائلية وبناء مؤسسة عسكرية موحدة قادرة على حماية سورية من التهديدات، موضحاً أن أنقرة تمتلك خبرة واسعة في التنظيم العسكري والصناعة الدفاعية.
غير أن عملية الدمج لم تكتمل بعد، إذ أشار وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في وقت سابق إلى أن الوزارة تعمل على نقل الجيش “من الحالة الثورية إلى الحالة المؤسساتية”، موضحاً أن نحو 130 فصيلاً انضموا رسمياً إلى هيكل الوزارة، فيما عاد أكثر من ثلاثة آلاف ضابط منشق إلى صفوف الخدمة. لكن معطيات ميدانية تشير إلى أن الجيش الجديد ما زال يعاني من ضعف في الانضباط العسكري والمظهر الموحد، نتيجة الخلفيات الفصائلية لعناصره.
اقرأ أيضاً:تهديدات إسرائيلية لتركيا: توتر متزايد حول النفوذ العسكري في سوريا