“ممر داوود” يثير قلق أنقرة: تهديد وجودي يُعيد رسم الخرائط في سوريا
تُصعِّد أنقرة من لهجتها تجاه ما تعتبره أخطر تحدٍ استراتيجي تواجهه منذ عقود، وهو مشروع “ممر داوود” الذي بات يشغل صدارة الخطاب السياسي والأمني التركي.
هذا المشروع، الذي يتجاوز كونه مجرد ممر جغرافي، يُنظر إليه في العاصمة التركية على أنه أداة استراتيجية لإعادة تشكيل خريطة النفوذ في سوريا والمنطقة، بما يهدد الأمن القومي التركي بعمق.
بالنسبة لأنقرة، لا يتعلق الأمر بمسار تجاري أو لوجستي فحسب، بل هو مخطط يهدف إلى تطويق تركيا استراتيجياً وقطع تواصلها مع عمقها العربي والإسلامي، وذلك وفقا لدراسة أجراها “مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير”.
اقرأ أيضاً:مصادر: لا تهديد بحجب الحماية عن قسد.. وضغوط لدمجها في حكومة دمشق
أنقرة تكشف أبعاد التهديد المتعددة
تُحلّل تركيا التهديد الناجم عن “ممر داوود” من زوايا متعددة، تتكامل لتُشكّل صورة شاملة للخطر الذي يهدد استقرارها ومكانتها الإقليمية:
- سياسياً: تعتبر أنقرة أن المشروع يستهدف عزلها استراتيجياً، وذلك من خلال تمكين كيانات انفصالية كردية ودرزية في شمال وشرق سوريا.
ويُعتقد أن هذه الكيانات، مثل “وحدات حماية الشعب” (YPG) التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، ستُستخدم كأدوات لتمرير أجندات إقليمية أوسع تحت غطاء “إسرائيل الكبرى”.
وتُشير التحليلات التركية إلى أن الهدف النهائي هو إقامة دولة درزية وأخرى كردية على حدودها الجنوبية، بما يُعيد إحياء مشاريع التقسيم التي طالما واجهتها المنطقة.
- اقتصادياً: يُنظر إلى الممر على أنه محاولة للسيطرة على طرق الطاقة الرئيسية، خاصةً تلك التي تنطلق من كردستان العراق نحو البحر المتوسط، مما يُهدد هيمنة تركيا على هذه الممرات.
كما أن المشروع يهدف إلى استغلال الثروات المائية والزراعية في حوض نهري الفرات ودجلة شمال سوريا، وتحويل ميناء حيفا في فلسطين المحتلة إلى مركز لوجستي إقليمي رئيسي، وهو ما يُعتبر تهديداً مباشراً لموانئ تركيا الاستراتيجية مثل مرسين وإسكندرون.
- أمنياً وعسكرياً: يُشكّل الممر خطراً مباشراً على الحدود التركية، حيث يهدف إلى خلق “كيانات وظيفية” تابعة لإسرائيل والولايات المتحدة، والتي ستكون بمنزلة حزام أمني لخدمة مصالحها.
هذه الكيانات ستُشكل تهديداً أمنياً دائماً على الولايات التركية الجنوبية مثل غازي عنتاب ومرسين وهاتاي، وستُغذي النزعات الانفصالية داخل تركيا نفسها، مما يضعف الجبهة الداخلية ويهدد وحدة البلاد.
استراتيجية تركية شاملة للمواجهة
لم تكتفِ أنقرة بالتحذير من خطورة المشروع، بل عملت على وضع استراتيجية شاملة لمواجهة هذا التهديد متعدد الأبعاد، وتتضمن هذه الاستراتيجية خطوات على مستويات مختلفة:
- الدبلوماسية: تعزيز العلاقات مع الحكومات المركزية في العراق وإيران، ومحاولة بناء جبهة إقليمية موحدة ضد هذا المشروع، كما تسعى أنقرة إلى الحفاظ على توازن دبلوماسي مع القوى الدولية لمنع أي تحركات تُعزز مشروع الممر.
- العمليات العسكرية: تنفيذ عمليات عسكرية استباقية في شمال سوريا والعراق، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، لمنع إتمام الممر وتفكيك الكيانات التي تدعمه، كما يتم تعزيز الوجود العسكري على الحدود الجنوبية، وزيادة التنسيق الاستخباراتي مع الأطراف الأخرى لمواجهة أي مخططات محتملة.
- الجبهة الداخلية: توحيد الصفوف لمواجهة هذا التهديد، وتوعية الرأي العام بخطورة المشروع، ومحاربة أي محاولات لشرعنة الحركات الانفصالية أو إعطائها شرعية سياسية.
وفي ظل هذه التطورات المعقدة، تؤكد التحليلات التركية أن المعركة ضد “ممر داوود” لم تُحسم بعد، وأن مصير المنطقة مرهون بتحرك الدول الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا، التي تُخوض اختباراً استراتيجياً مصيرياً يُحدد مستقبلها ومكانتها في المنطقة والعالم.
اقرأ أيضاً:مجلة ذا كرادل: مجزرة طائفية بحق الدروز ارتكبها النظام السوري بتخطيط منسق من واشنطن وإسرائيل
اقرأ أيضاً:مؤتمر الحسكة: قسد تسعى لتكريس تحالف الأقليات وتعزيز مطلب اللا مركزية في سوريا
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب تويتر