داما بوست- كلير عكاوي| خالفت أحوال المواطنين المعيشية الصعبة مثلاً شعبياً متوارثاً، حيث أصبح القليل منهم يأكلون ما تشتهيه أنفسهم، وآخرون “آخر همّهم” أن يلبسون مايليق بهم بين الناس، بسبب انشغالهم في تأمين لقمة صيامهم على موائد الإفطار في شهر رمضان.
وأجبر الإفطار هذا العام ربة المنزل ليلى (55 عاماً) بتحضير مائدة ليست على “أصولها” في رمضان المبارك بعد إصابة أسعار المواد الغذائية الأساسية بالجنون وسط الرواتب “الهيستيرية”، بحسب وصفها.
ووقعت “أم سوار” في حيرة يومية منذ بدء هذا الشهر الفضيل تجاه ما تستطيع فعله لتؤمن متطلّبات الإفطار، حيث أخذت قلماً وورقة، ثم كتبت نظاماً أشبه بالغذائي، ولكنه اشبه بالاقتصادي، بحسب تعبيرها.
وتصدّر البرغل الذي بلغ سعره 17 ألف ل.س، مع علبة اللبن الذي بلغ سعرها 8500 ل.س رأس قائمة إفطار هذه العائلة المؤلفة من 5 أشخاص “يوم أي ويوم لاء”.
وقالت “أم سوار” ل “داما بوست”: “سقالله أيام كنّا صغار.. كانت العين بتاكل في موائد رمضان.. مو متل هلق عم انشكّل بين البرغل بلبن والمجدرة اللي ماعادت مقدّرة.. ولاعاد في كبة لبنية ولا حتى لحمة بالصينية”.
تحايل عالمقادير.. الكبّة صارت بسلق والمحاشي صارت بخضار!
حافظت الموظفة روان (45 عاماً) على استمرارية حضور بعض الأكلات التقليدية في رمضان مع التحايل على مقادير “الطبخة”، وعند جلوسها على مائدة الإفطار مع عائلتها، تقول:” الأكل على قد الجيبة”، بدلاً من الأكل على قد المحبة.
واستغنت “أم فايز” نهائياً عن اللحم واستبدلته بكم قطعة من الخضار، قائلة لـ “داما بوست”: “صرت أعمل كبة محشوّة بالسلق بدلاً من اللحمة.. ومعجنات محشوّة بالبندورة والبصل بدلاً من الجبن واللحمة والقريشة”.
ولم يختلف العم النجّار رواد (70 عاماً) في دردشته و”قروشته” لـ “داما بوست” عن سفرة إفطار منزله هذا العام، قائلاً: “عشنا وشفنا.. بحياتي ماكنت فكّر إني ممكن آكل المحاشي بالرز والخضار”، ساخراً: “متل اللي عم يضّحك على حالو”.
وتنافست المرأة السورية “المعترة”، كما وصفت نفسها، مع نظيراتها في إيجاد البدائل بتحضير الأطباق في رمضان، وحاولت الواحدة منهن وضع ملح قدراتها على جرح أيامها، لضمان معيشة أفضل لعائلتها، والتمتّع بأجواء رمضانية شبه مقبولة.
موائد الإفطار.. اعطيني 200 ألف اليوم.. لتفطر!
تزمّرت ربة المنزل “سهام” ( 58 عاماً) من زوجها “الخُضرجي”، لأنه يترك لها يومياً 60 ألف ل.س فقط، مع قوله:”اعمليلنا إفطار مرتّب”.
وقالت الزوجة لـ “داما بوست”: “يعلم أبو جاسم أن هذا المبلغ لايكفي لصحن سلطة، وأنا أمازحه دائماً بقولي.. اعطيني 200 ألف كل يوم.. لتفطر!”.
ويحاول العم “أبو جاسم” (65 عاماً) “لملمة” الخضار “الدبلانة”، وتجميعها في سحّارة بلاستيكية تحتوي على أوراق الخس شبه البالية، وأقراص البندورة “اللي منزوع” طرفها، والخيارة “اللي مأكول نصفها”، لإعادة تأهيلها وتدويرها في طبق ربما يستطيع تسميته “فتّوش”.
وارتفعت أسعار الخضراوات مع حلول شهر رمضان الكريم، وبات سعر كيلو الكوسا 20 ألف والبازنجان 14 ألف، وكيلو البطاطا بـ 8500 وكيلو البندورة بـ 8 آلاف وبلغ سعر الخيار “بهديك الحسبة”، وسعر الباقات الخضراء مثل النعنع والبقدونس والترخون والبقلة.. الخ من 1700 إلى 3000 ل.س، وصولاً إلى 45 ألف ل.س تقريباً تكلفة صحن السلطة.
بوقيّة بزر “يفصفصون” متاعبهم
وتجوّلت “داما بوست” في الأسواق وسألت المارّة على موائد إفطارهم في رمضان، تلك التي استذكرت منقل شواء اللحم الذي بات حلماً صعب المنال، وذاك الذي قال: “عم أقضيها برغيف سخن، وملامح وجهه مصرّة ألا تضحك للرغيف السخن.
وكان حال الإفطار على أغلب المارّة مثل كل الوقائع التي وجد لها السوري بدائل من العدم، حيث لجأ إلى لف الساندويش والذهاب مع عائلاته إلى “دوار البيطرة – دمشق”، لإحياء الإفطار، ثم التنزّه بوقيّة بزر من دوار القمر، لعلّهم يفصفصون متاعبهم ويحظون بالفرح.
وعجز السوري عن ممارسة بعض العادات والمشاوير البسيطة في رمضان يوم الجمعة، لأنه بات منهكاً ومتعباً من مسؤولياته طوال أيام الأسبوع، وبات مشغولاً بالرقص على آلامه عبر ألحان إحدى أغنيات الفنان جورج وسوف التي تصدح من السيارة السوزوكي ، قائلين: “دبنا ع غياب راحتنا دبنا”.