داما بوست – الإعلامي جمال ظريفة
يشكل قطاع غزة كابوساً يجثم على صدور الحكومات الصهيونية المتعاقبة، فمنه جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وهو انتزع الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة وصولا إلى اتفاق أوسلو.
أربعة أشهر مرت على المجازر الإسرائيلية دون رادع أخلاقي أو أممي، على العكس تشتد المساندة الغربية بالسلاح والذخيرة لقتل المزيد، ولضمان بقاء يد “إسرائيل” هي الأعلى في المنطقة، وما نراه في العلن يناقضه ما يقوم به بعض العرب من مد يد العون، ليس للفلسطيني بالطبع، بل للجلاد القاتل المحتل المغتصب.
غزة طالما شكلت مخرز المقاومة في عين “إسرائيل”، وقضت مضاجع قادة الكيان الدخيل، فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، قال غير مرة : “أتمنّى أن أستيقظ ذات يوم من النوم وأرى غزّة وقد ابتلعها البحر”، هذا يعكس حجم القلق الذي تشكله هذه البقعة الممتدة على 365 كم مربع .
أربعة أشهر لم تكن كافية لإطفاء نار الحقد الصهيوني من غزة ورغم كل الدمار الذي لحق بها والدماء البريئة التي سفكت من مدينة غزة إلى خان يونس إلى كل بقعة من أرض غزة هاشم ها هو العدو اليوم يتربص برفح آخر ملاذ الفارين ومتنفس الناجين من الموت .
سيناريوهات مرعبة تنتظر رفح ومن في رفح، مخططات توضع في واشنطن والقاهرة وباريس، بتوجيه من “تل أبيب”، جزيرة في البحر تأوي الفلسطينيين، خيام في شمال غزة، لنقل الفلسطينيين من رفح في الجنوب إلى الشمال، في كل قرية 25 ألف خيمة لاستيعاب ما بقي من سكان غزة.
البعض هنا اقترح نقلهم إلى النقب، كونها أقل كلفة، البعض الآخر إلى سيناء، والخروج من الحدود سيكون كالخروج عام 1948 ذهاب بلا عودة، وإن حكمت كل محاكم الأرض وهيئات الأمم المتحدة، فلن يعود فلسطيني واحد إلى أرضه السليبة إلا بقوم المقاومة.
إدارة بايدن أعطت الضوء الأخضر لعملية الاقتحام التي اعترف رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هاليفي، بأن تنفيذ عملية في رفح سيكون أمراً معقداً، مشيراً إلى أن المنطقة يوجد فيها أكثر من مليون شخص و 10 آلاف مقاتل فلسطيني من مختلف حركات المقاومة الفلسطينية.
هاليفي في تصريح للقناة “12 العبرية”، قال عن العملية في رفح: “لدينا خطط ولكننا نبحث عن التوقيت المناسب والطريقة الصحيحة ..يجب أن نخلي السكان ولدينا كل الإمكانات للقيام بذلك”.
وسائل إعلام عبرية أكدت أن هاليفي أبلغ مجلس الوزراء في وقت سابق أن “الجيش” مستعد لتنفيذها عندما يحصل على الضوء الأخضر من الحكومة.
ذات القناة، ذكرت أن الجيش الإسرائيلي يفضل السماح للمدنيين الغزيين الذين يحتمون حاليا في رفح بالانتقال إلى شمال القطاع فقط كجزء من صفقة إطلاق سراح الرهائن، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن ” جيش” الاحتلال لديه أساليب أخرى لاقتحام رفح، على الرغم من عدم تحديد أي منها.
كارثة إنسانية جديدة تنتظر آخر تغريبة فلسطينية، مجزرة بحق كرامة الحريات العالمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
الطفولة تغتال على يد الشرير، المريض يموت على بعد أمتار من الشرير الصهيوني البغيض، لا رادع له وكل المناشدات الدولية لم تجد نفعاً، فالمخطط قد وضع وهنا النقطة الأقرب إلى سيناء والحلم الإسرائيلي هو نقل الفلسطينيين إلى سيناء والتخلص منهم إلى الأبد.
تمهيد صهيوني من كذب ودجل وافتراء ومنها التحريض على قطع المعونات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا بحجة انتماء 10 بالمئة من موظفيها لحركة حماس الأمر الذي حدى ببريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة تعليق التمويل للوكالة .
إدارة بايدن الخرف لاتمانع الاقتحام على الطريقة الهوليودية أي تحييد المدنيين باعتبار أمريكا تصدع الآذان بحقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات جوفاء تستخدمها الخارجية الأمريكية ضد الدول التي لا تواليها.
تلك الإدارة بزعامة بلينكن اليهودي تفرط في الدعم والمساندة وتنفيذ تعليمات ومطالب نتنياهو وحكومته المتطرفة لدرجة أنها ناقشت مسألة بناء جزيرة في البحر وتهجير الفلسطينيين إليها، وتم إبلاغ مصربها.
وتفتقت الإنسانية الأمريكية فجأة حيث أعربت إدارة بايدن عن قلقها بشأن القتال خلال شهر رمضان المبارك القادم وفقا لمسؤولين إسرائيليين على خلفية عدم إثارة مشاعر المسلمين في أنحاء الأرض وكأنها مهتمة بمشاعرهم وهي تشارك بإفناء الآلاف منهمً.
“إسرائيل” اقترفت مجازر غير مسبوقة بحقّ أهل غزة، وقتلت عشرات الآلاف منهم، وهجّرت مئات الآلاف، ومنعت الغذاء والماء والدواء عنهم، وجرفت المدن والقرى والأراضي، ولم تَسلم حتى المقابر من جرافات جيشها، وذلك كله بهدف كسر المقاومة ودفع الشعب إلى الاستسلام وترك أرضه والهجرة إلى مصر وغيرها، إلا أن الشعب احتفظ بإرادة الحياة على هذه الأرض، ورفض مغادرتها، كما احتفظ بالمقاومة.
وأثبت هذا العدوان الغاشم، وجميع الحروب الإسرائيلية على غزّة، أن المقاومة فكرة، والفكرة لا يمكن لأيٍّ كان أن يقضي عليها أو يمحوها فالطفل الذي شاهد والده ووالدته يقتلان على يد جندي صهيوني لن ينسى ولن ينسى منزله الذي تربى به وأرضه التي أكل من خيراتها وسيعاود النهوض مجدداً لنيل الحرية أو شرف الشهادة.
لذلك يبدو أن من مصلحة الجميع المحافظة على هذه الفكرة في قلعةٍ، وهي قطاع غزة، ليس مهماً مدى صغر المساحة التي تقوم عليها، بل المهم قوة الدفع التي يمكن للمقاومين أن يزودوها بها لكي تنطلق وتعود فتحلق في فضاءاتٍ غابت عنها طويلاً.