تخفيض أسعار المحروقات في سوريا.. بين الارتياح والتساؤلات حول الجدوى
في خطوة وصفتها الحكومة بأنها “إصلاحية”، أقرت وزارة الطاقة السورية خفضاً ملحوظاً في أسعار المشتقات النفطية، في وقت يعيش فيه السوريون ضغوطاً معيشية متزايدة وتراجعاً في القدرة الشرائية. وبين الترحيب الشعبي الحذر والشكوك حول استدامة القرار، يبرز التساؤل: هل يمثل هذا التخفيض بداية حقيقية لإصلاح أحد أكثر قطاعات الاقتصاد السوري تعقيداً؟
خفض واسع في الأسعار
القرار الوزاري رقم (731)، الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً، نصّ على خفض أسعار جميع أنواع الوقود والمشتقات النفطية بنسب تراوحت بين 20 و30 في المئة.
وأصبح سعر ليتر البنزين (أوكتان 90) نحو 0.85 دولار أمريكي (7730 ليرة سورية)، والمازوت 0.75 دولار (6830 ليرة سورية)، فيما حُدد سعر أسطوانة الغاز المنزلي (10 كغ) بـ 10.5 دولارات، وأسطوانة الغاز الصناعي (16 كغ) بـ 16.8 دولاراً.
تقول الوزارة إن هذا الإجراء يأتي ضمن خطة إصلاح شاملة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين وتحسين كفاءة قطاع الطاقة، مشيرةً إلى أن الخفض يُفترض أن ينعكس على تكاليف النقل وأسعار السلع الاستهلاكية خلال الأسابيع المقبلة.
تحسن في الإنتاج المحلي
بحسب مدير الاتصال الحكومي في وزارة الطاقة، أحمد السليمان، فإن القرار جاء نتيجة تحسن الإنتاج المحلي من النفط والغاز خلال الأشهر الأخيرة، حيث تنتج سوريا حالياً نحو 120 ألف برميل نفط يومياً وقرابة سبعة ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وأوضح السليمان أن مصفاة بانياس تعمل بنسبة 80 في المئة من طاقتها، ومصفاة حمص بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة، ما ساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتحقيق وفورات في التكاليف.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل على رفع كفاءة المصافي تدريجياً، إلى جانب دراسة مشتركة مع وزارة النقل لتخفيض أجور المواصلات العامة، حتى يلمس المواطن الأثر المباشر لهذه الإجراءات.
تباين في الشارع السوري
تفاوتت ردود الفعل في الشارع السوري بين من رأى في القرار “انفراجاً نسبياً”، ومن اعتبره مجرد خطوة رمزية لا تمس جوهر الأزمة المعيشية.
في دمشق، يقول سائق الأجرة أبو محمد إن الخفض “خطوة إيجابية ولو جاءت متأخرة”، موضحاً أنه ينفق يومياً نحو 20 ألف ليرة على البنزين وسيوفّر قرابة 4 آلاف بعد التخفيض، وهو مبلغ يساعده في تغطية نفقات أسرته. لكنه يشدد على ضرورة تطبيق الأسعار الرسمية فعلياً ومراقبة المحطات لمنع أي تلاعب.
أما في حمص، فالصورة مختلفة. تقول علا المحمد إن القرار “لا يغيّر الكثير”، فدخلها الشهري بالكاد يغطي الأساسيات، وإنفاق الأسرة على الوقود والنقل يستنزف حوالي 40 في المئة من الدخل. وتضيف: “التجار يرفعون الأسعار فور أي زيادة، لكنهم لا يخفضونها عند التراجع”، مشددة على أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الرقابة على السوق لا من الأرقام الرسمية.
في المقابل، يعبّر العاملون في القطاع الصناعي والزراعي عن تفاؤل أكبر. ففي حلب، يرى سائق الشاحنة محمود الدرويش أن القرار “أنقذ الكثير من الورش الصغيرة والمزارعين”، لأن خفض تكاليف الوقود يعني خفضاً في كلفة الإنتاج والنقل، متوقعاً أن يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار المنتجات الزراعية بنسب تصل إلى 15 في المئة إذا استمر توفر المحروقات في السوق الرسمية.
قراءة اقتصادية أوسع
الخبير الاقتصادي في شؤون الطاقة سليم الأحمد يرى أن القرار يمثل “تحولاً تدريجياً” في سياسات الطاقة السورية، مستنداً إلى تحسن الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الإيرانية التي كانت تثقل كاهل الخزينة العامة.
لكن الأحمد يحذر من المبالغة في التفاؤل، موضحاً أن تخفيض الأسعار لا يمكن أن يشكل حلاً جذرياً في ظل الحاجة إلى استثمارات لا تقل عن 30 مليار دولار لإعادة تأهيل قطاع الطاقة، منها 10 مليارات لقطاع الكهرباء وحده، وفق تقديرات البنك الدولي.
ويشير إلى أن القرار الحالي قد يسهم في خفض معدلات التضخم بنسبة 5 إلى 7 في المئة مؤقتاً، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لتعويض خسائر الليرة السورية التي فقدت نحو 40 في المئة من قيمتها منذ بداية العام.
ويشدد الأحمد على ضرورة أن ترافق هذه الإجراءات سياسات لرفع الأجور وتحفيز الإنتاج المحلي، إضافة إلى تفعيل الشراكات الإقليمية، خاصة مع تركيا وأذربيجان، لتأمين إمدادات غاز بأسعار تفضيلية.
خطوة إيجابية تحتاج إلى متابعة
يرى مراقبون أن خفض أسعار المحروقات، رغم كونه خطوة إصلاحية محسوبة، لا يمكن أن يحقق أهدافه ما لم يُترجم إلى تحسن ملموس في حياة المواطنين عبر ضبط الأسعار في الأسواق ومراقبة التنفيذ.
فالإصلاح الاقتصادي في سوريا، بحسب الخبراء، لن ينجح بالقرارات الفردية، بل عبر سياسات متكاملة توازن بين الإنتاج المحلي والدعم الاجتماعي، وتعيد بناء الثقة بالاقتصاد الوطني على المدى الطويل.