وجد العلويون أنفسهم مع سقوط نظام الأسد ووصول إدارة جديدة إلى دمشق في حالة من عدم التوازن والضياع لاسيما أن الإدارة الجديدة عرفت نفسها تعريفا دينيا كما استقبلت بقية المكونات السورية على أساس ديني .
حالة الضياع هذه ناتجة بالأصل عن عقود من التهميش وعدم وجود كيانات روحية أو سياسية تشكل غطاء لهم ويمكن اعتبار العلويين المكون الوحيد في سوريا الذي لم تنظم شؤونه الروحية فلم يوجد له مجلس ينظم شؤونه طيلة عقود من حكم البعث كما أن العلويين لم ينضووا تحت راية أي حزب ديني منذ تكوين الدولة السورية وكانت انتماءاتهم تتوزع بين الأحزاب القومية واليسارية، ولذلك واجه العلويون حالة مستجدة ساهم في حدتها انهيار الجيش الذي كان ينظر اليه علويا أنه الحامل الوطني والملاط الرابط بين المكونات ومركز انصهارها .
وعلى الصعيد الاجتماعي لم يتشكل طيلة حكم الاسدين أية جمعيات علوية أو ذات طبعة خاصة كما لم ينشأ في المناطق العلوية جمعيات سواء أهلية أو مدنية ذات شأن ودور يجعلها قادرة على ملأ فراغ التغيير.
ومع حملات الاعتقال و التهميش والاقصاء التي تعرض لها العلويون منذ وصول الإدارة الجديدة إلى السلطة سواء على مستوى الوظائف المدنية وحل الجيش ووقوى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وجدوا أنفسهم خارج المعادلة التي يتم تشكيلها في سوريا وبدأوا في البحث عن إطار يجمعهم ويحمل قضيتهم .
المجلس العلوي بين الضرورة والملاحقة
تعالت الأصوات داخل المكون العلوي لتشكيل مجلس تمثيلي للطائفة العلوية التي تعتبر المكون الثاني عدديا في سوريا، يكون رافعا لصوتها وحاملا لقضيتها وحتى مفاوضا باسمها مع الإدارة الجديدة إلا أن الجهود لم تتكلل بالنجاح لظروف عديدة بعضها يتعلق بالسلطة الجديدة والأخر بحالة الانقسام والضعف التي تعيشها الطائفة العلوية واستمر الحال حتى 4 شباط فبراير حيث خرج الناشط باسل الخطيب بفيديو مصور عبر حسابه على “فيسبوك” أعلن فيه تشكيل المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر وبحسب البيان فإن المجلس يرأسه الشيخ غزال غزال ــ هو رجل دين من اللاذقية ينحدر من عائلة دينية تحظى بالاحترام لدى العلويين – وتكون المجلس حسب بيان الخطيب من 130 شيخا موزعا وفق التواجد العلوي (30 طرطوس 30 اللاذقية 30 حمص 30 حماة و10 لدمشق وريفها ) وهو معني بالأمور الروحية وينضوي ضمنه مجلس تنفيذي يضم عدة مكاتب منها السياسي والاقتصادي والقانوني والإعلامي والاغاثي يتم تعيينهم من أهل الاختصاص، ولاقى تشكيل المجلس ترحيباً واسعاً من أبناء الطائفة العلوية كما لاقى انتقادات أيضا تتلخص بأن العلويين يجب أن لا ينحصر تمثيلهم برجال الدين إضافة إلى انتقادات لعدم شموله التمثيلي لكثير من رجال الدين، إضافة إلى أن السلطة نظرت للمجلس بعين الريبة واتهم إعلاميين مقربين منها الشيخ غزال بتبعيته لإيران.
واعتقلت السلطات الجديدة باسل الخطيب فضلاً عن أن مجازر آذار دفعت الشيخ غزال للتواري ولم يسجل نشاط لأعضاء المجلس على أرض الواقع ويصدر عن مكتب التنسيق والعلاقات العامة الذي تترأسه منى غانم بين الفترة والأخرى بيانات تتعلق بالاحداث الهامة ويقتصر ظهور الشيخ غزال على بعض الفيديوهات المصورة التي تتناول الاحداث المفصلية ومع الوقت يتراجع الالتفاف الشعبي حول المجلس لعدم وجوده على أرض الواقع أولا وعدم قدرته على إحداث أي اختراق حول القضية العلوية أو إبراز أهداف المجلس المتمثل بالفيدرالية أو اللامركزية الموسعة التي طالب بها الشيخ غزال منذ تأسيس المجلس .
جماعة السلم الأهلي مقاربة التفاعل مع السلطة
في اليوم الثالث على مجازر الساحل أصدر رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قرارا بتشكيل لجنة عليا للسلم الأهلي في سوريا ضمت ثلاثة شخصيات ( سنيين من الساحل وعلوي ينحدر من حمص ) تتلخص مهمتها بالتواصل المباشر مع المدنيين في الساحل للاستماع إليهم وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن أمنهم واستقرارهم إضافة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وبدأت اللجنة تؤسس في المناطق العلوية لجان سميت لجان السلم الأهلي التي انضوى تحتها المحسوبين على فادي صقر (القائد السابق في الدفاع الوطني) كما انضوى تحتها ما يمكن تسميته التيار الواقعي من رجال الدين الذين عارضوا المجلس العلوي أو انشقوا عنه أو ممن لم يمثلوا فيه ويرون ضرورة التعامل مع سلطة الامر الواقع بما يعزز حالة الأمان المجتمعي كما انضم إلى التيار الجديد فاعلين مجتمعيين ولم يخلو من المنتفعين ويتميز هذا التيار بأنه يحصل على رضى ودعم الإدارة الجديدة ما جعله فاعلا وان بشكل جزئي بقضية المعتقلين وقضية المسرحين من الوظائف.
الخارج بديلا عن الداخل المختطف
يعتبر التياران السابقان أهم التيارات على المستوى الداخلي العلوي الذي مازال يعاني من حالة فراغ حقيقية مع انتشار المخاوف نتيجة الحملات التي تنفذها السلطات الجديدة في الساحل وأعمال القتل والخطف التي تكاد لا تخلو منها منطقة علوية ودفعت حالة الفراغ الداخلية النشطاء العلويين في الخارج لمحاولة تشكيل كيانات سياسية أو جمعيات مدنية في محاولة لتوفير شبكة من الحماية للداخل ونقل صوته ومطالبه ومظلوميته للخارج، علها تنجح فيما فشل فيه الداخل وشكلت مجازر آذار نقطة تحول لنشطاء الخارج حيث بدأت ملامح تجمعات ناطقة باسم العلويين و نشط الحراك العلوي الخارجي مع توصيف للداخل (بأنه مختطف) وتم تنسيق جزء من العمل مع الروابط العلوية التركية في أوربا باعتبارها مؤسسة بشكل مسبق وجرى حراك هام لأبناء الطائفة العلوية في المغترب تمثل في تنظيم مسيرات ولقاءات مع البرلمانيين الاوربيين في معظم الدول الأوربية وبرزت حركات وجمعيات في معظم دول العالم يعتبر من أبرزها :
حركة الشغل المدني في سوريا : يعود تأسيس حركة الشغل المدني في سوريا من قبل الناشط السياسي عيسى إبراهيم المقيم في باريس فعليا إلى عام 2012 وكان مناهضا لنظام الأسد إلا أن الحركة أخدت بعدا أخر بعد مجازر الساحل باتجاه تعزيز الخصوصية العلوية من خلال اللامركزية الموسعة والاعتراف بحقوق المكونات والمواطنة المتساوية في ظل حكم مدني ديمقراطي .
جمعية العلويين السوريين في أوروبا Association of Syrian Alawites in Europe
تأسست عام 2023 في باريس إلا أنه لم يلحظ نشاطها بشكل فعلي إلا في عام 2025وهي جمعية غير ربحية تتطلع إلى ربط العلويين السوريين داخل الشتات الأوروبي وتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية (رعاية أيتام، إغاثة طارئة، دعم اندماج ومبادرات تعليمية )
ويبدو أن هيكلها تطوعي مع مجلس إدارة متغير هدفها مزيج من الدعم الاجتماعي والحفاظ على الهوية والثقافة العلوية داخل أوربا كما تنقل معاناة علويي الداخل
اتحاد العلويين السوريين في أوروبا Union of Syrian Alawites in Europe (USAE)
تأسس في برلين مطلع عام 2025 وهو اتحاد مدني مسجّل في برلين يعرّف نفسه كمنظمة مدنية علمانية تعمل للدفاع عن حقوق العلويين والمكوّنات المهمّشة، وتعزيز الاندماج الاجتماعي والتعليم والتمكين المهني (مبادرات مثل «لنا الغد» لدعم الأطباء والكوادر). يُظهر نشاطاً سياسياً-حقوقيّاً واضحاً: توثيق انتهاكات ومخاطبة برلمانات وحملات ضغط لحقوق الإنسان، كما عقد لقاءات مع ممثلي أحزاب ألمانية لمناقشة أوضاع المكوّن العلوي ومطالب الجالية. يذكر الموقع عناوين اتصال ومكتب مادي في برلين. من أبرز خصائصه الجمع بين النشاط الخدمي والضغط الحقوقي
الاتحاد الدولي/العالمي للمنظمات العلوية International Federation of Alawite Organizations
تأسس عام 2024 ويعرض موقعه بيانات ونشاطات نهاية عام 2024 وبداية عام 2026 ويعتبر مظلّة تنسيقية دولية تُوحّد أكثر من 30 جمعية وكياناً علويّاً في المهجَر والمناطق المختلفة بهدف التنسيق الإغاثي، التوثيق، والدعوة لاعتراف دولي بانتهاكات طالت المكوّن العلوي (بعض بياناته تطالب بالاعتراف بالجرائم ضد العلويين كـ«تطهيرٍ عرقي/إبادة»). يعمل على مشاريع إغاثية، برامج شبابية ومنح دراسية، وحملات توثيق وحقوقية، وأصدرت بيانات إدانة لهجمات واستهداف كنائس ومناطق سكانية. يظهر كجهة منسّقة أكثر منها جمعية محلية، وتستهدف التضامن الدولي والضغط على مؤسسات حقوق الإنسان.
رابطة العلويين في الولايات المتحدة Alawite Association of the United States
أعلن عن تأسيسها في شباط 2025 و يذكر اسم طبيب القلب السوري العلوي مرهف إبراهيم كرئيس أو منسق لها وتعنى بالدفاع عن حقوق وكرامة الطائفة العلوية وتعمل على توعية صانع القرار الأمريكي بالثقافة العلوية واطلاعهم على أوضاع العلوويين وتنظم مؤتمرات ولقاءات إعلامية حول القضية العلوية في سورية ومتابعة قضايا النزوح واغتصاب الأملاك والانتهاكات التي تتعرض لها الطائفة العلوية
الجمعية العلوية في كندا (Alawite Association of Canada)
تُعتبر ّ الجمعية العلوية في كندا من أبرز الكيانات التي تمثّل الجالية العلوية الكندية، وقد تأسست مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في مدينة تورونتو. تعمل الجمعية على تعزيز الروابط الثقافية والدينية بين أبناء الطائفة، وتوفير برامج تعليمية وخدمية للشباب والعائلات. كما تشارك في مبادرات الإغاثة الإنسانية الموجّهة إلى المتضررين من الحرب في سوريا، لا سيما في مناطق الساحل ذات الغالبية العلوية وأظهرت الجمعية نشاطا واضحا بعد مجازر الساحل التي تعرض لها العلويون و تُظهر الجمعية اهتمامًا بالشأن العلوي في سوريا من خلال حملات التوعية وجمع التبرعات والتعاون مع منظمات إغاثية محلية كما تتبنّى خطابًا معتدلًا يسعى لحماية الهوية الثقافية والروحية للطائفة مع تعزيز اندماجها في المجتمع الكندي.
الجمعية الإسلامية العلوية في أستراليا (Alawi Islamic Association of Australia)
تأسست الجمعية الإسلامية العلوية في ولاية فيكتوريا منتصف العقد الأول من الألفية، وهي من أبرز المؤسسات الدينية والاجتماعية للعلويين الأستراليين. تنظّم الجمعية دروسًا دينية وأنشطة ثقافية وشبابية تعزّز الانتماء والهوية العلوية ضمن إطار وطني أسترالي منفتح. تتابع الجمعية الشأن العلوي في سوريا من خلال مبادرات دعم إنساني وإعلامي تستهدف المجتمعات المتضررة في اللاذقية وطرطوس، وتعمل على بناء جسور تواصل بين الجاليات العلوية في المهجر والوطن. كما تشارك في الحوار بين الأديان وتقديم المساعدات للاجئين السوريين، ما يجعلها منصة فاعلة تجمع بين العمل الاجتماعي المحلي والاهتمام الإنساني العابر للحدود نشطت الجمعية بشكل كبير بالإضاءة على المظالم التي يتعرض لها العلويون والانتهاكات التي تستهدف مجتمعاتهم كما تشرح قضيتهم للسياسيين الاستراليين وتقوم بمساعدة الوافدين الجدد إلى استراليا .
منظمة تنمية غرب ووسط سوريا (Western Syria Development Organization – WSD)
هي منظمة غير حكومية تأسست حديثًا مقرها بيروت، لبنان، وتركّز على دعم المجتمعات المحلية في غرب ووسط سوريا، مع اهتمام خاص بالأقليات العلوية والمسيحية والدروز. تهدف المنظمة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، التعليم، التنمية الاقتصادية، وحماية حقوق الإنسان في مناطق النزاع. تشمل أنشطتها نشر تقارير ميدانية عن الانتهاكات، تنظيم حملات توعية، ودعم مشاريع تنموية محلية
أما في المجال السياسي فقد أسس مجموعة من النشطاء المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا وتم اطلاقه في آب عام 2025 و ترأسه أمجد بدران وضم اعلاميين ومثقفين وحقوقيين ويعد تأسيس المجلس تحريكا للمياه الراكدة إلا أن أغلب أعضاءه يعيشون خارج سوريا ما جعل هناك فجوة كبيرة بين الأهداف المطروحة والعمل على أرض الواقع ودعا البيان التأسيسي إلى سوريا فيدرالية مع تبني دولة مدنية قائمة على المواطنة والتعددية والعدالة وضرورة تنفيذ القرار الدولي 2254 ولم يعترف المجلس بحكومة أحمد الشرع وطالب باستبعاد التنظيمات الإرهابية عن حكم سوريا ومن أبرز شخصياته كنان وقاف وصلاح نيوف وعيسى إبراهيم وعلي عبود وعمار عجيب ورئيف سلامة ووحيد يزبك الا أن عيسى إبراهيم أعلن انسحابه من المجلس تلاه انسحاب علي عبود.
كما أسس السياسي والباحث عمار وقاف مدير مركز غينا سوس في لندن مشروع التمثيل والمشاركة من أجل السلام SYREP ووصفه بأنه مشروع طويل الأمد لدعم السوريين ومصالحهم واعتبر المشروع واقعي غير حالم معبرا عنه بأنه مشروع طموح ومستمر ضمن فضاء الممكن ويميل إلى اللامركزية .
كما تدور أحاديث إعلامية عن وجود تنظيمات مرتبطة برجل الاعمال رامي مخلوف ورجل الاعمال أيمن جابر بالتنسيق مع روسيا إلا أن الرجلين الذين يمتلكان صفحات نشطة على فيسبوك لم يعلنا عن تنظيمهما ويكتفيان بكلام عائم ووعود لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع كما لم يتم الإعلان عن الواجهة السياسية لمشروعهما ولا برامج تنفيذية كما تدور في الأوساط الإعلامية أحاديث عن دور للواء كمال حسن إلا أنه لا يوجد أي تصريح معلن للرجل عن طموحه لاي دور غير أن منصات إعلامية تداولت عن مساعدته للنازحين العلويين شمال لبنان واستئجار بيوت لهم لنقلهم من الخيام .
تجمعات كثيرة فاعلية قليلة
رغم كثرة الكيانات -تجمعات سياسية أو جمعيات- لم يمتلك العلويون حتى الان مساحة للفعل السياسي أو المدني بشكله المنظم بعد أن تم تحييدهم بشكل ممنهج وفشلوا في خلق بنية تنسيقية تكون إطارا جامعا لتجمعاتهم وحركاتهم وليس السبب فقط تضييق السلطة عليهم وتخوفها منهم -حتى أنهم المكون الوحيد الذي لم يستقبله الشرع – بل أيضا التنافس فيما بينهم وقلة خبرتهم في العمل السياسي والتشبيك الدولي ونقص تجربتهم في العمل الاجتماعي إضافة إلى عدم وضوح نهجهم السياسي فضلا عن نقص في التمويل كل ذلك يرجح استمرار حالة التشرذم التي تطبع تحركاتهم على الصعيد السياسي والاجتماعي وبالتالي عدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم.
إقرأ أيضاً: قرارات تعسفية بفصل مئات الموظفين العلويين في الساحل السوري.. التمييز الطائفي إلى متى؟
إقرأ أيضاً: حملة «أوقفوا خطف النساء السوريات» ترفع الصوت ضد موجة الاختطاف القسري في المناطق العلوية