العشائر العربية شرق الفرات.. قلق من تعثّر مفاوضات دمشق-قسد

تتصدر مخاوف العشائر العربية في شرق الفرات المشهد السياسي المحلي مع تراجع وتعثّر مفاوضات دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مؤسسات الدولة السورية. يرى زعماء عشائريون ومحللون أن استمرار حالة الجمود تهدّد الاستقرار الهشّ الذي تحقق بعد سنوات من القتال، وتفتح الباب أمام سيناريوهات أمنيّة قد تعيد الفوضى إلى مناطق كانت تحظى بهدوء نسبي.

انقسام الموقف ومخاوف الميدان

تشير قراءات محلية إلى انقسام واضح بين مكوّنات عشائرية عدة. فجزء من العشائر داخل مناطق سيطرة “قسد” يبدو مضطراً للعيش تحت وقائع الأمر الواقع، بحسب قادة عشائريين، متأثراً بممارسات أمنية وقيادية تُحسَب على الإدارة المحلية. وفي المقابل هناك فئة من العشائر في مخيّمات النازحين والمهجّرين داخل وخارج مناطق شمال-شرق سوريا ترفض وجود “قسد” رفضاً قاطعاً، وتحمّلها مسؤولية تردّي الأوضاع واحتكار الموارد.

مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، يقول إن موقف أبناء القبائل في مناطق الجزيرة والفرات ينقسم إلى فئتين: فئة داخلية “مغلوبة على أمرها” بسبب الضغوط الأمنية والاعتقالات وسياسات التجنيد القسري، وفئة أخرى من النازحين ترفض وجود قسد وتتهمها بالتورط في تجارة المخدرات والاغتيالات وسرقة الموارد من نفط وغاز ومحاصيل زراعية وممتلكات أثرية.

وبرأي الأسعد، فإن العشائر لا تقف مع شخص أو جهة بقدر ما تقف مع “الشرعية ووحدة البلاد” ومع محاربة الإرهاب، معتبرًا أن أي حل يجب أن يعيد الدور الرسمي لوزارة الدفاع ويمحو الوضعية الأمنية الموازية التي شكّلتها “قسد” خلال السنوات الماضية. ويقول إن زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى واشنطن أعادت “توضيح مصفوفة التحالف الدولي ضد الإرهاب”، ما قد يسهّل إعادة الشرعية العسكرية إلى الدولة.

بين الاستعداد للقتال والخشية من الحرب

على الأرض، تقول مصادر محلية إن عدداً لا يستهان به من العشائر قد يفضل الانحياز إلى القوات الحكومية في حال انطلقت عملية عسكرية لسحب نفوذ “قسد”، بينما هناك أقليات عشائرية تعتبر أنها استفادت سياسياً أو اقتصادياً من وجود “قسد” وقد تقف إلى جانبها. هذه التباينات تعكس توازنات محلية قائمة على حسابات مصالح وأمن ومنافع.

يُحذّر المحلل فراس علاوي من تحول أي مواجهة عسكرية إلى “مأساة إنسانية” تُجرّد المناطق من البنية التحتية وتعيدها إلى حالة حرب. ويؤكد أن هناك رغبة شعبية كبيرة لدى قطاعات من السكان بإنهاء حالة الأمر الواقع التي فرضتها “قسد”، لكن الخشية الكبرى تبقى من أن تكون عمليّات استعادة السيطرة مصحوبة بمدّات عنف واسعة تؤثر على المدنيين وتحوّل مناطق القبائل إلى ساحات صراع جديدة.

مطالب عشائرية: إشراك مباشر وضمانات

تطالب قيادات عشائرية بارزة بإشراك العشائر مباشرة في أي مفاوضات مستقبلية بين دمشق و”قسد”، معتبرة أن العشيرة عنصر أساسي في النسيج الاجتماعي ويجب أن تكون شريكاً في حلول سياسية وأمنية تضمن حماية المدنيين وتوزيع الموارد. وتنبّه هذه القيادات إلى أن أي اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار دور العشيرة قد يفشل في تحقيق استقرار فعلي على الأرض.

وتورد مطالبة أخرى متكررة بوقف الممارسات التي تُعدّها العشائر تجاوزات من جانب “قسد” — كالاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري والانتقام المحلي — وتطالب بضمانات محلية ووطنية لحماية الحقوق والمعيشة.

ما الذي تريده القبائل فعلاً؟

تتراوح مطالب العشائر بين حماية الهوية المحلية إلى استعادة خدمات أساسية مفقودة: رواتب وأمن وموارد مائية وزراعية وأسواق عامّة تعمل، بالإضافة إلى محاسبة المتجاوزين من عناصر أمنية أو مسلّحين، ومنح فرص فعّالة للمصالحة والتمثيل السياسي. ميدانياً، يبدو أن القبول بوجود “قسد” أو رفضها مرتبط أولاً بنتائج ملموسة على مستوى الأمن والخدمات: من يوفّر الاستقرار والغذاء والدخل سيكسب نصراً شعبياً في نهاية المطاف.

إمكانية التهدئة عبر اتفاقات سابقة

يشير مراقبون إلى أن هناك رغبة لدى الكثيرين لإنهاء المأزق عبر العودة إلى بنود اتفاقات سابقة، من بينها اتفاق آذار الذي وُقّع بين الشرع وعبدي في دمشق، باعتباره قاعدة تفاهم يمكن تطويرها بما يضمن دمج “قسد” في مؤسسات الدولة أو إيجاد حلول أمنية وإدارية توافقية.

خاتمة: هشاشة الاستقرار وضرورة شراكة محلية

يبقى استقرار مناطق شرق الفرات هشاً ومشرعاً أمام تحوّلات إقليمية ومحلية. وتعتمد قدرة أي طرف على فرض حلّ دائم على مدى إشراك الفاعلين المحليين — وفي مقدمتهم العشائر — وتقديم ضمانات واضحة للأمن والعدالة والخدمات. وفي غياب اتفاق سياسي شامل يحظى بقبول محلي واسع، تبقى المخاوف من عودة الفوضى وظهور خلايا متطرفة حاضرة كأكبر تهديد لسكان المنطقة.

اقرأ أيضاً:ما الحالة الوحيدة التي قد تدفع واشنطن لوقف دعمها لـقسد؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.