مخاطر اقتصادية تلوح في أفق إصدار العملة السورية الجديدة

أعلن مصرف سوريا المركزي عن عزمه إصدار أوراق نقدية جديدة تُحذف منها صفران من القيمة الاسمية، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها الأجرأ منذ عقود في تاريخ السياسة النقدية السورية. تأتي هذه الخطوة في ظل أزمة مالية خانقة، حيث تتراجع قيمة الليرة السورية باستمرار ويستمر التضخم في الارتفاع، وسط فقدان واسع للثقة بالعملة المحلية.

الإصلاح النقدي بين الرمزية والواقع

وفق بيان المصرف، ستصدر الأوراق النقدية الجديدة وفق أحكام قانون النقد الأساسي رقم 23 لعام 2002، وبكميات مدروسة تتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني، بهدف ضبط الكتلة النقدية واستعادة التوازن في السوق. وتبرر الجهات الرسمية القرار بأنه خطوة ضرورية لتسهيل المعاملات اليومية وإعادة الاعتبار إلى “هوية العملة السورية”، مع التمهيد لإصلاحات مالية أوسع.

إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن العملية قد تحمل طابعًا رمزيًا أكثر من كونها علاجًا فعليًا للأزمات النقدية، ما لم تترافق مع حزمة إصلاحات هيكلية شاملة تشمل السياسة المالية وسوق الصرف والمصارف.

العملة الجديدة بهوية وطنية محايدة

أوضح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبدالقادر الحصرية، أن العملة الجديدة ستصدر بست فئات، وستكون خالية من الصور والرموز السياسية، مع رموز وألوان مستوحاة من التاريخ والثقافة السورية. وأكد الحصرية أن المصرف سيعمل على سحب الفئات القديمة تدريجيًا لضمان عدم حدوث صدمة نقدية أو تضخم مفاجئ.

تحذيرات من محدودية الأثر على السيادة النقدية

حذر الدكتور حسن حزوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب، من أن تأثير خطوة حذف الأصفار على السيادة النقدية سيكون محدودًا، مشيرًا إلى أن العملية لا تغير من العرض الحقيقي للنقود ولا تعالج الأسباب الجذرية لفقدان الثقة بالليرة، مثل التضخم المستمر وندرة السلع الأساسية وارتفاع أسعارها بالعملات الأجنبية.

وأكد حزوري أن استعادة السيادة النقدية تتطلب سياسات واضحة لسعر الصرف، وضبط مالي صارم، وبناء احتياطيات أجنبية كافية، إلى جانب إجراءات تعزز الثقة في القطاع المصرفي.

مخاطر لوجستية وتضخمية

وحذر من احتمال فشل لوجستي في توزيع الأوراق الجديدة عبر شبكة البنوك وأجهزة الصرف ونقاط البيع، ما قد يخلق فوضى نقدية ويعيق المعاملات اليومية. كما لفت إلى أن تمويل الطباعة عبر إصدار نقود جديدة مباشرة قد يؤدي إلى زيادة التضخم إذا لم تُمتص السيولة بشكل فعال، فيما يشكل التمويل من الاحتياطيات الأجنبية الخيار الأقل خطورة لكنه يتطلب توافر احتياطيات كافية.

توقيت حساس للإصدار

أشار الدكتور مجدي الجاموس، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، إلى أن توقيت إصدار العملة الجديدة حساس للغاية، وكان من الأفضل أن يسبقها تعافٍ نسبي للقطاعات الاقتصادية وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال. وأضاف أن عدم تدخل المصرف المركزي بفعالية خلال عملية الإصدار، خاصة على مراحل متعددة، قد يزيد من حجم السيولة في السوق ويرفع معدلات التضخم.

وشدد الجاموس على أن الإصلاحات المالية والرقابية، مثل الإفصاح الشفاف عن القوائم المالية، يجب أن تسبق إطلاق العملة الجديدة لضمان بناء الثقة وتحقيق أهداف الإصلاح النقدي المرجوة.

اقرأ أيضاً:مصرف سوريا المركزي يعلن خطة شاملة لتحرير وتنظيم قطاع الذهب

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.