دمشق بين الخوف اليومي وتراجع الإحساس بالأمان بعد أكثر من 10 أشهر
منذ أكثر من عشرة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، تعيش دمشق ومعظم المدن السورية حالة متزايدة من القلق والخوف، وسط تدهور الأمان واستمرار الانفلات الأمني، الذي يتجلى في تصاعد حوادث الخطف والقتل والسرقة، إلى جانب النزاعات الفردية والتصفية خارج سلطة القانون.
ووثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أكتوبر 2025، 1,237 حالة قتل ناتجة عن عمليات تصفية أو اشتباكات مسلحة في عموم سوريا، إلى جانب 2,512 حالة اختفاء وخطف واعتقال تعسفي، منها 283 حالة خطف صريحة، في مؤشرات تعكس الواقع الأمني المتفجر وتأثيره المباشر على حياة السوريين اليومية.
الخوف كجزء من الحياة اليومية
الانفلات الأمني بعد تفكك الأجهزة التقليدية وتوزع السيطرة بين جهات متعددة، جعل سكان دمشق يعيشون في حالة ترقّب دائمة، مع عدم معرفة مصدر الخطر أو سبل الوقاية منه.
ياسر النجار، موظف في شركة اتصالات، قال إن الخوف أصبح جزءاً من روتينه اليومي، مؤكداً أنه بات أكثر حرصاً عند العودة إلى المنزل ومراقبة سيارته باستمرار. وأضاف: “صار معنا وسواس من الخوف والحالات اللي عم نشوفا حوالينا، عايشين بفترة صعبة ما في محاسبة، ما في انضباط، ما في شي اسمه أمان فعلي”.
في المقابل، ترى رهف درويش، طالبة جامعية، أن الناس اعتادوا الخوف بطريقة غريبة، لكنها تواصل حياتها مع أخذ الحيطة والحذر، مضيفة: “ما فينا نوثق بأي شخص غريب ولا حتى قريب من القصص اللي عم نسمعها”.
اعتماد الأهالي على شبكات حماية رمزية
غياب الاستقرار الأمني دفع كثير من العائلات إلى الاعتماد على شبكات حماية محلية تشمل الجيران والأقارب، لتعويض ضعف السيطرة الأمنية. أم نادر، ربة منزل من حي المزة، قالت إن الخوف أصبح جزءاً من الأمومة الحديثة في دمشق، مشيرة إلى أنها تراقب أبنائها باستمرار خوفاً من الخطف أو الاعتداء، وأضافت: “شو ذنب الأطفال يلي عم تنخطف؟ معد في رحمة، معد فينا نوثق بالجهات الأمنية”.
الحياة الاجتماعية تحت ضغط الخوف
الانفلات الأمني أثر بشكل واضح على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إذ تضطر المحلات التجارية إلى الإغلاق المبكر، بينما أصبح التحرك خارج المنزل مرهقاً وموضع حذر دائم. نورا خليل، صاحبة محل في باب توما، قالت: “عم أعيش شعور ماني متأكدة إذا بقدر أوصل على البيت أو لا، الخوف خلانا نحسب حساب لكل خطوة بنعملها”.
كما يمتد الخوف ليشمل الناس المختلفين دينياً أو طائفياً، ما يزيد شعور المجتمع بعدم الأمان ويعزز الحذر في التعاملات اليومية.
الأثر النفسي والاجتماعي
الناشط المجتمعي الدكتور غيث سلّام يرى أن هذا الفراغ الأمني يعيد تشكيل القيم والعلاقات الاجتماعية، ويؤدي إلى اعتماد الناس على الحماية الذاتية بدل التضامن المجتمعي. وأشار إلى ارتفاع نسبة القلق واضطرابات النوم في دمشق خلال الأشهر الأخيرة بنسبة 38%، مما يعكس التأثير النفسي العميق للعنف المتكرر.
وأكد سلّام أن “استعادة الأمان تبدأ باستعادة الثقة، والثقة لا تُبنى بالشعارات، بل بالعدالة والمحاسبة والشفافية، لأن الأمن النفسي هو أساس أي استقرار حقيقي”.
أمل رغم الظلام
رغم هذا الواقع، ما زال هناك أمل لدى بعض الشباب والمجتمع المدني، الذين يعتبرون أن إعادة بناء مؤسسات العدالة والرقابة المجتمعية مسؤولية جماعية، لا تقتصر على السلطة وحدها. وبينما يواصل الدمشقيون حياتهم في ظل القلق والخوف، يبقى الحلم في أن يصبح الأمان حقاً وليس مجرد أمنية.
اقرأ أيضاً:تقرير حقوقي: تصاعد الانتهاكات في سوريا يشمل التهجير والاعتقال والقتل