من البطاقة الذكية إلى الاقتصاد الرقمي… مسار التحول الرقمي في سوريا
يتردد مصطلح التحول الرقمي بشكل متزايد على الساحة السورية، وهو ما يشير إلى الانتقال من المعاملات الورقية التقليدية إلى التعاملات الإلكترونية، مع إمكانية الوصول إلى البيانات والخدمات عبر الهواتف المحمولة أو المنصات الرقمية. إلا أن السوريين لم يشعروا حتى الآن بتغير ملموس على أرض الواقع، باستثناء بعض المبادرات المحدودة مثل البطاقة الذكية أو التعليم الإلكتروني أثناء جائحة كورونا، وهو واقع يعكس تأثير سنوات الحرب والحصار وضعف البنية التحتية ونقص القدرات الحكومية، إضافة إلى محدودية الوعي الرقمي والثقافة المالية.
واقع البنية التحتية الرقمية
تشير بيانات شركة “Ookla” المتخصصة في قياس سرعة الإنترنت إلى أن سوريا تحتل المركز 102 عالمياً من بين 104 دول، بمتوسط سرعة تحميل يبلغ 16.84 ميغابيت في الثانية، في حين يبلغ المتوسط العالمي 91.24 ميغابيت. كما يقدر انتشار الإنترنت في سوريا بنحو 35% بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات، ما يعكس فجوة كبيرة بين سوريا والدول المجاورة والعالمية.
سوق العمل والتحول الرقمي
وفيما يخص العمل الرقمي في المؤسسات العامة والخاصة، يشير وائل سعداوي، عضو مجلس إدارة إحدى شركات التأمين، إلى أن الشركات التي أُنشئت منذ عام 2006 اعتمدت على برامج تقنية مستوردة من دول مثل لبنان والكويت والهند، لكنها واجهت صعوبات بسبب العقوبات والحصار، ما أثر على كفاءة العمل. كما يرى الدكتور محمد خير الغباني رئيس اتحاد الجامعات الدولية في تركيا أن الجامعات السورية متأخرة تقنياً مقارنة بالمؤسسات التعليمية في الدول المجاورة.
من جانبه، يقول الخبير في الأمن السيبراني صالح محمد إن القطاع الخاص حاول مواكبة التحول الرقمي بشكل أكبر من المؤسسات الحكومية، التي أصبح الرقمنة ضرورة حيوية لربطها مع القطاع الخاص والدول المجاورة، وهو ما جعل سوريا خارج كثير من الاتفاقات الرقمية العالمية.
التحول الرقمي والاقتصاد
ويرى الخبير الاقتصادي أسامة القاضي أن التحول الرقمي والأتمتة يمثلان رافعة حقيقية للاقتصاد السوري، لما له من تأثير مباشر في تحسين الحوكمة، وتقليل الفساد، ورفع كفاءة الخدمات والإدارة، وتعزيز الاستثمار. ويشير القاضي إلى أن غياب سياسة وطنية للتحول الرقمي يصنف سوريا ضمن الدول العربية “الساعية للتنمية”، التي تواجه تحديات كبيرة في الاندماج مع الاقتصاد الرقمي العالمي.
وأكد القاضي أن وزارة الاتصالات بدأت خطوات عملية من خلال توقيع مذكرات تفاهم، أبرزها مع المملكة العربية السعودية، بهدف رقمنة المؤسسات الحكومية وتطوير البنية التحتية الرقمية، إلى جانب برامج دعم المبرمجين السوريين وتحسين الموارد البشرية في المجال الرقمي.
حلول ومبادرات محلية
ويضيف حسان النجار، عضو مجلس إدارة الجمعية المعلوماتية السورية، أن الجمعية أطلقت مشاريع تدريبية في الذكاء الاصطناعي والبرمجة والتحول الرقمي، فيما تعمل وزارة الاتصالات على تطوير البنية التحتية للإنترنت، بما يشمل شبكة عالية السرعة تربط كامل الأراضي السورية بالتعاون مع القطاع الخاص، فضلاً عن إدخال برامج تدريبية ضمن مناهج الجامعات والمعاهد. ويؤكد النجار أن تذليل العقبات والاستثمار في البنية التحتية واستثمار الخبرات الداخلية والخارجية يمكن أن يحول التحول الرقمي إلى رافعة قوية للتنمية الاقتصادية في سوريا.
جهود دولية ومحلية
مؤخراً، استضافت دمشق مؤتمراً دولياً حول التحول الرقمي بعنوان “أثر الشمول المالي الرقمي على النمو الاقتصادي”، استمر ثلاثة أيام، وناقش أهمية الشمول المالي الرقمي كركيزة أساسية لبناء اقتصاد رقمي متكامل، مع التركيز على التكنولوجيا المالية ودورها في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز ريادة الأعمال، بمشاركة وفود دبلوماسية عربية وأجنبية وخبراء اقتصاديين وممثلين عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة