عودة العائلات المهجّرة تُشعل سوق العقارات في الساحل السوري

مع تصاعد أزمة السكن في سوريا وازدياد وتيرة التهجير من المدن الكبرى مثل دمشق وحمص، ارتفعت أسعار الإيجارات والعقارات في مناطق مثل مصياف، القدموس، ومشتى الحلو إلى مستويات غير مسبوقة. العائلات التي هجّرتها الأحداث الأخيرة، وجدت نفسها أمام واقع قاسٍ من الاستغلال العقاري والجمود في سوق البيع، وسط غياب شبه تام لأي رقابة حكومية فاعلة.

إقرأ أيضاً: التهجير القسري في سوريا: تحولات ديموغرافية وتداعيات إنسانية

من دمشق إلى مصياف: رحلة بحث عن مأوى في ظل الغلاء:

تحكي رندا، وهي أم لأطفال ثلاثة، كيف أجبرتها التهديدات على مغادرة دمشق والعودة إلى مسقط رأسها في مصياف. لكنها اصطدمت بواقع صعب: أسعار إيجارات خيالية تفوق قدرتها المعيشية، وسط استغلال واضح من قبل تجار العقارات الذين يستفيدون من حاجة العائلات المهجّرة للسكن.

تجار العقارات يرفعون الأسعار دون ضوابط:

تشير شهادات متطابقة إلى أن كثيراً من تجار العقارات في مناطق الساحل عمدوا إلى رفع الأسعار بشكل عشوائي مستندين إلى ارتفاع سعر الدولار وتزايد الطلب من المهجّرين. وفي المقابل، يقول مالكو مكاتب عقارية إن “الربح ليس عيباً” وإن السوق يخضع للعرض والطلب، رغم أن الطلب مدفوع بأزمات إنسانية حادة.

هبوط الدولار لم ينعكس على أسعار العقارات:

بعد سقوط النظام السابق، شهد الدولار انخفاضاً ملحوظاً، ما خلق انطباعاً عاماً بأن أسعار العقارات انخفضت. لكن بحسب الخبير العقاري عمار اليوسف الذي تحدث لجريدة “الأخبار” اللبنانية، فإن ما حدث فعليًا هو انخفاض في قيمة الليرة فقط، بينما ظلت الأسعار الحقيقية بالدولار مستقرة، مشيرًا إلى أن “المئة ألف دولار كانت تساوي 1.5 مليار ليرة، واليوم تساوي مليار ليرة، أي نفس القيمة الشرائية.”

أزمة الإيجارات تتفاقم بسبب قلة المعروض:

يرى اليوسف أن الارتفاع في أسعار الإيجارات مرده إلى عدة عوامل، أبرزها:

1- زيادة الطلب مقابل تراجع المعروض بسبب خروج العديد من العقارات من الاستثمار.

2- غلاء المعيشة والوقود، ما دفع المُلّاك إلى رفع الإيجارات بحثًا عن عائد مجزٍ.

3- حالات تهجير ديموغرافي دفعت كثيرين لبيع ممتلكاتهم والعودة إلى مناطقهم أو السفر.

بيع العقارات في دمشق.. حلم مستحيل؟

يحاول العديد من الأهالي، مثل سمير في منطقة 86، بيع منازلهم في دمشق والانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا مثل القدموس، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة بسبب طمع التجار الذين يعرضون أسعارًا لا تعادل ربع القيمة الحقيقية للعقار، ما يُحبط خططهم ويُبقيهم في مناطق الخطر.

المخاوف الأمنية تدفع العائلات إلى الشراء رغم الغلاء:

يُفضل البعض، مثل علاء من طرطوس، شراء منازل جديدة في مناطق آمنة رغم الغلاء، خوفًا من السطو المسلح المتزايد. علاء أشار إلى أن “أسعار العقارات ارتفعت أكثر من 10 ملايين ليرة خلال شهر واحد فقط، ما يطرح علامات استفهام حول دوافع هذا الصعود غير المبرر”.

المافيا العقارية تُحكم قبضتها:

يرى مراقبون أن ما يجري ليس سوى نتيجة لتغوّل مافيا العقارات، واستغلالها لحالة الضعف والتشرذم التي تعاني منها العائلات السورية، خاصة في ظل غياب حلول حكومية حقيقية لأزمة السكن.

السوق العقاري السوري يدور في حلقة مفرغة:

بحسب اليوسف، فإن السوق العقاري في سوريا يعيش حالة من الجمود والانفلات في آنٍ معاً، حيث لا توجد استراتيجيات واضحة لإعادة الإعمار أو تنظيم السوق، وسط سياسات نقدية خانقة جعلت حتى أصحاب الحسابات البنكية عاجزين عن سحب أموالهم أو شراء عقارات.

انهيار منظومة السكن في سوريا يُهدّد النسيج الاجتماعي:

الواقع الذي يعيشه المهجّرون السوريون اليوم هو نتيجة مباشرة لانهيار السياسات العمرانية، وترك قطاع العقارات فريسة لـ”المافيات” والمتنفذين. ومع استمرار التهجير، وغياب أي حلول حكومية، تبقى أزمة السكن في سوريا أحد أخطر الملفات التي تهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين.

إقرأ أيضاً: تهجير قسري في السومرية يستهدف أبناء الطائفة العلوية

إقرأ أيضاً: منسيّون في مخيمات إدلب..حياة معلّقة في انتظار إعمار لا يأتي

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.