أين اختفت السيولة في سوريا؟ لغز نقدي يعمّق الأزمة المعيشية رغم طباعة تريليونات الليرات

رغم مرور أكثر من تسعة أشهر على سقوط النظام السوري السابق، لا تزال أزمة السيولة النقدية بالليرة السورية تشكّل عائقاً كبيراً أمام تحسّن النشاط الاقتصادي والمعيشي في مختلف أنحاء البلاد. وتشير التقارير إلى أن شُحّ السيولة يؤثر بشكل خاص على الأسر ذات الدخل المحدود، والعاملين بالمهن الحرة والأجور اليومية، إلى جانب الموظفين في القطاعين العام والخاص.

المصارف السورية تقيد السحوبات وسط اختفاء الليرة من التداول:

المصارف المحلية، العامة والخاصة، باتت تُقيّد عمليات السحب إلى حد كبير، حتى للودائع الجارية، بسبب نقص السيولة الحاد. ما يثير الريبة هو أنه، وعلى الرغم من أن الدولة قامت خلال السنوات الماضية بطباعة كميات ضخمة من الليرة، إلا أن هذه الكتلة النقدية تبدو اليوم مفقودة من السوق، ما يطرح تساؤلات مصيرية: أين ذهبت مليارات الليرات التي تم ضخّها؟ ولماذا يعاني المواطن من نقص شديد في النقد؟

كم يبلغ حجم الكتلة النقدية في سوريا؟

نظرًا لتوقّف مصرف سوريا المركزي عن نشر بياناته النقدية منذ عام 2011، تبقى التقديرات غير دقيقة. لكن بالاعتماد على تقارير صادرة عن هيئة التخطيط الحكومية وبعض الباحثين، يمكن رسم ملامح المشهد النقدي:

بحسب بيانات رسمية، المعروض النقدي (M1) في عام 2023 بلغ ما بين 29 و39 تريليون ليرة سورية.

الباحثة رشا سيروب قدّرت أن عدد الأوراق النقدية المطبوعة يساوي 14 مليار ورقة نقدية، بقيمة إجمالية تقارب 35 تريليون ليرة.

مؤشر نمو المعروض النقدي وصل إلى 63% في 2020، وهو تضخم نقدي غير مسبوق.

التمويل بالعجز وطباعة العملة: حل مؤقت سبب أزمة طويلة:

اعتمد النظام السابق على طباعة العملة دون تغطية وعلى التمويل بالعجز لتعويض الفجوة في موازنات الدولة. ورغم أن هذه الإجراءات ساعدت في تمويل الرواتب والإنفاق الحكومي، إلا أنها أدت إلى انهيار الثقة بالليرة السورية، وتفاقم التضخم، وظهور أزمة حقيقية في القوة الشرائية للمواطنين.

أين ذهبت السيولة؟ ولماذا لا تظهر في السوق؟

السؤال المحوري اليوم هو: إذا كانت السيولة المطبوعة تُقدّر بعشرات التريليونات، فلماذا لا تظهر في الأسواق أو البنوك؟

تفسيرات محتملة:

1- تهريب الليرة السورية إلى دول الجوار، خاصة لبنان وتركيا.

2- وجود كتل نقدية خارج السيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية.

3- تلف الأوراق النقدية وسحبها دون تعويض كافٍ.

4- نفقات حكومية غير مُعلنة خارج الموازنة العامة.

وحتى البنك الدولي الذي زار سوريا مؤخرًا، لم يستطع تقديم تفسير دقيق لأزمة السيولة، رغم حصوله على بيانات رسمية كاملة، مشيرًا إلى وجود “اختلالات واسعة في تداول العملة المحلية”.

غياب الشفافية يفاقم أزمة الاقتصاد السوري:

في ظل التعتيم الرسمي وعدم صدور أي توضيحات من مصرف سوريا المركزي، تبقى أزمة السيولة في البلاد من أكثر الملفات غموضاً وخطورة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي. ويطالب اقتصاديون الحكومة الانتقالية بـ:

1- الكشف عن حجم الكتلة النقدية الحقيقية داخل البلاد وخارجها.

2- توضيح أسباب تقييد السحب من المصارف.

3- تقديم بيانات دقيقة حول الإنفاق العام وغير المُعلن.

أزمة السيولة تدفع السوريين إلى بيع ممتلكاتهم للبقاء على قيد الحياة:

في ظل غياب السيولة، يلجأ الكثير من السوريين إلى بيع ممتلكاتهم بالدولار أو الليرة لسد احتياجاتهم الأساسية، وهو ما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع السوري.

أين ذهبت أموال السوريين؟

أزمة السيولة في سوريا لم تعد مجرد خلل مصرفي، بل أصبحت لغزاً اقتصادياً يهدد حياة ملايين السوريين. ومع استمرار الغموض، وغياب الشفافية، وغياب الرقابة على طباعة وتوزيع العملة، يبقى سؤال “أين ذهبت السيولة؟” مطروحاً بقوة في وجه جميع المعنيين بإدارة الاقتصاد السوري.

إقرأ أيضاً: موجة تظاهرات شعبية تضرب سوريا مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والإدارية

إقرأ أيضاً: خبير اقتصادي: الدولار يرتفع بعد طباعة الليرة الجديدة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.