اكتشاف مذهل: الميتوكوندريا تعمل كـ”أبراج مراقبة” للجهاز المناعي
اكتشاف “أبراج مراقبة” للجهاز المناعي تدافع عن الجسم من الجراثيم
دراسة حديثة تكشف: الميتوكوندريا ليست فقط “مصانع للطاقة”، بل أسلحة سرية ضد البكتيريا
لطالما عرفناها كـ”محطات الطاقة” الخلوية، لكن الميتوكوندريا تُثبت مرة بعد أخرى أنها أكثر من مجرد ذلك. ففي كشف علمي مثير، توصلت دراسة جديدة إلى أن هذه العضيات المجهرية تلعب دوراً حاسماً وغير متوقع في الجهاز المناعي، حيث تعمل كـ”أبراج مراقبة” حساسة تستشعر الخطر البكتيري وتطلق الإنذار.
هذا الاكتشاف، الذي نُشر في موقع “Live Science”، يفتح فصلاً جديداً في فهمنا لكيفية دفاع الجسم عن نفسه، ويُقدم تفسيراً مقنعاً لسبب معاناة بعض المرضى، مثل المصابين بـ الذئبة، من ضعف المناعة رغم فرط نشاطها.
كيف تعمل “أبراج المراقبة”؟
يُعدّ خط الدفاع الأول والأكثر قوة في الجسم هو خلايا العدلات (Neutrophils)، وهي خلايا دم بيضاء لا تتوانى عن التهام البكتيريا الغازية. لكن كيف تتأكد العدلات من القضاء على هذه البكتيريا بشكل نهائي؟ هنا يأتي دور الميتوكوندريا.
عندما تبتلع العدلة بكتيريا، تبدأ البكتيريا في إفراز مادة كيميائية تُعرف باسم اللاكتات كجزء من عملية إنتاج الطاقة الخاصة بها. في هذه اللحظة، لا تتجاهل الميتوكوندريا هذا المركب، بل تلتقطه فوراً وتُحلل وجوده.
هل يمكن تشبيه الأمر بالسيناريو التالي؟
تخيل أن العدلة هي قلعة محصنة، والبكتيريا هي غازٍ تم أسره في زنزانة. اللاكتات هو بمثابة رسالة سرية يرسلها الغاز المحتجز. الميتوكوندريا تعمل كـ”حارس المراقبة” الذي يفك شفرة هذه الرسالة ويُدرك أن السجين لا يزال خطيراً. عندها، يُطلق الحارس إنذاراً عاجلاً لتدمير الزنزانة بالكامل.
هذا هو بالضبط ما تفعله الميتوكوندريا! فعندما تستشعر اللاكتات، تُصدر إشارات قوية للعدلة لتطلق “مصائدها الشبكية” المعروفة بـ NETs، وهي شبكات لزجة من الحمض النووي تُحاصر البكتيريا وتُدمرها.
الدراسة أثبتت أن تعطيل قدرة الميتوكوندريا على استشعار اللاكتات يؤدي إلى فشل العدلات في إطلاق هذه المصائد، مما يُفسح المجال للبكتيريا للهروب والتكاثر.
تفسير لغز الذئبة والعدوى المتكررة
هذه الآلية الجديدة تُلقي الضوء على لغز طبي محيّر: لماذا يُصاب مرضى الذئبة الحمامية الجهازية بعدوى متكررة رغم أن جهازهم المناعي نشط بشكل مفرط؟
تُظهر النتائج أن الميتوكوندريا في خلايا العدلات لدى هؤلاء المرضى لا تعمل بكفاءة. ببساطة، هي لا تستشعر رسالة اللاكتات البكتيري بشكل صحيح. هذا الخلل يمنعها من إطلاق مصائد NETs، مما يجعل هؤلاء المرضى عرضة للعدوى البكتيرية.
هذا الاكتشاف يربط بين قضيتين تبدوان غير مرتبطتين: فرط النشاط المناعي (الذئبة) وضعف الدفاعات ضد البكتيريا.
آفاق علاجية جديدة في الأفق
بفضل هذا الفهم العميق لدور الميتوكوندريا، يرى العلماء الآن مسارات علاجية جديدة واعدة.
لتعزيز المناعة: يمكن تطوير أدوية لـ”تحسين السمع” لدى الميتوكوندريا، مما يساعدها على استشعار اللاكتات بشكل أفضل، وبالتالي تقوية الاستجابة المناعية لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.
للحد من التلف: في حالات مثل الالتهابات الشديدة أو أمراض المناعة الذاتية التي تسبب فيها الاستجابة المفرطة تلفاً للأنسجة، يمكن استخدام علاجات للحد من هذه الاستجابة.
هذا الكشف يُثبت أن العلاقة بين عمليات الأيض الخلوية والاستجابة المناعية ليست مجرد علاقة عابرة، بل هي شراكة عميقة ومعقدة تُحدد مصير الخلايا في مواجهة الخطر.