توصلت الولايات المتحدة وإيران لاتفاق يشمل حلحلة أمور عالقة بين البلدين، يتم بموجبها الإفراج عن الأموال المجمدة لإيران في الخارج، مقابل الإفراج عن 5 محتجزين أمريكيين لدى طهران.
وبدأت تتضح معالم الاتفاق مع أولى خطوات التنفيذ التي قامت بها طهران مؤخراً، عندما نقلت المحتجزين من سجن “إيفين” إلى الإقامة الجبرية حيث سيتم قريباً إعادتهم لبلدهم بعد أن تحصل إيران على المقابل.
وقدّرت مصادر صحفية المبلغ الذي سيفرج عنه لإيران بـ 6 مليارات دولارات في كوريا الجنوبية، وما يوقف التنفيذ هو الإجراءات الفنية المتعلقة بنقل الأموال إلى إيران والتي يتوقع لها أن تطول مدتها قليلاً بسبب صعوبة نقل مبالغ كبيرة من كوريا الجنوبية، كي لا تخضع للعقوبات.
وحصل الطرف الأمريكي بشكل مبدأي على ضمان إيفاء طهران بوعدها وإخراجها خمسة محتجزين أميركيين من السجن، وهم لا يزالون قيد الإقامة الجبرية.
على ماذا ينص الاتفاق؟
منذ فترة ليست بعيدة، بدأت وسائل إعلامية بالترويج لصفقة تجري بين الولايات المتحدة وإيران، فيما لم تكن هذه المحادثات مباشرة، بل عبر وسطاء هم قطر وسويسرا وعمان.
وكان الشرط الأمريكي إبان إلغاء تجميد الأموال الإيرانية هو نفقتها في الأغراض الإنسانية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام أميركية عن مصادر سياسية.
ومن الخطوات الموضوعة لنقل الأموال إلى إيران، هو استخدام حسابات بنكية في دولة قطر “الوسيط” للتأكد من استخدامها في مجالات غير خاضعة للعقوبات.
وكان قد ذكر مصدر إيراني في حديث مع قناة الجزيرة، أن الاتفاق بين طهران وواشنطن بدأ بشأن تبادل السجناء، معتبراً أن ما جرى خطوة أولية، وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن الاتفاق يشمل الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة بكوريا الجنوبية والعراق بقيمة 10 مليارات دولار.
في حين نقلت شبكة “أي بي سي” الأمريكية عن مصدر مطلع أن واشنطن لا تتوقع إفراجا سريعا عن السجناء في إيران والعملية قد تستغرق أسابيع.
كيف يُقرأ مستقبل العلاقة الأمريكية الإيرانية بعد هذا الاتفاق؟
يرى الباحث السياسي “محمد حسين خليق” في تصريح خاص لـ “داما بوست” أن احتمالية حدوث تقارب إيراني أمريكي هو أمر مستبعد، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تنسجم مع حلول الملفات الشائكة سوى وفق استراتيجيتها الخاصة، وهناك العديد من الملفات العالقة بين الطرفين، وأمريكا لن تحل هذه الملفات وفق رؤية مشتركة، إنما حسب رؤيتها فقط.
ويقول الباحث “خليق” أن الاحتمالية الأقوى للحديث عنها هو تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، إذ يرى أن حلحلة هذا الملف قد تنعكس على الملفات الأخرى في الاستراتيجية، وخاصة إذا نجحت المساعي وتم تحويل الأموال لإيران.
ويضيف “خليق”.. “قد تستنسخ إيران نموذج هذه العملية الناجحة للسعي لحل باقي المشكلات العالقة، ونحن لدينا أموالاً مجمدة في البنوك لدى الدول الأوروبية إضافة للعراق ومناطق أخرى”.
واعتبر الباحث أن نجاح هذا الاتفاق يعد بمثابة نجاح وانتصار ديناميكي سياسي واقتصادي لإيران على الولايات المتحدة، ويقول “الدراسات حول هذه الخطوة تتمحور حول خسارة أمريكا لهذا الجولة لأن إيران قد تتبع النموذج في الملفات الشائكة الأخرى”.
واستبعد “خليق” حسب وجهة نظره الربط بين هذا الاتفاق والملف النووي، ويرى أن طهران قد وصلت لمرحلة عزلت فيها الملف النووي عن كافة القضايا الأخرى، ويضيف.. “إيران وصلت لمرحلة من القرار السيادي بالنسبة للملف الإيراني لا يمكن أن تتنازل عن قرارها، والولايات المتحدة لن تتنازل أمامها عن كل الشروط”.
وعزز الباحث فكرته بأن التنازل الأمريكي بالملف النووي أيضا سيُقرأ بمثابة خروجها من المنطقة بشكل كامل، مشدداً على أن تطلعات إيران حاليا للملف الاقتصادي تفوق أهمية الملف النووي في الفترة الحالية، وهي تسعى لتحرير أموالها من كافة البلدان الأخرى.
الدور الخليجي في إنجاح المحادثات:
ويرى الباحث أن الدور القطري في هذه المباحثات جاء كـ “سد ديون” من الدوحة لطهران بعد أن توسطت إيران أثناء الخلاف بين قطر والسعودية، ويقول الباحث.. ” طهران فتحت أجواءها البرية والبحرية والجوية لقطر وفكت الحصار عنها، بالتالي قطر ترى أنها تسد الديون من جهة، ومن جهة أخرى قطر والدول الخليجية لا تستطيع أن تتحمل تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، خشيةً على أنفسهم لما فيهم من مواقع عسكرية أمريكية ومصالح مشتركة مع الطرفين، كي لا يصل الأمر حد مواجهات عسكرية أو شبه عسكرية، على حد تعبيره.
كيف يُقرأ الاتفاق في كيان الاحتلال الإسرائيلي؟
من جهة أخرى، تنقسم الآراء في كيان الاحتلال الإسرائيلي حول الاتفاق بين طهران وواشنطن بين معارض بشدة و”مخذول” من الولايات المتحدة وآخر يرى أنه أخف وطأة من العودة للاتفاق النووي المتفق عليه عام 2015.
إذ هاجم رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الاتفاق، متهماً الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، مؤكداً أن الترتيبات التي لا تفكك البنى التحتية “النووية الإيرانية” ولا توقف برنامجها النووي، وتقدم الأموال لطهران، تذهب في خدمة الإرهاب الذي ترعاه إيران، على حد زعمه.
لكن الشرخ في الكيان يتضح مجدداً في هذا الملف، إذ أنه وفقا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في دراسة حديثة أجراها، بيّن أنه بموجب تلك التفاهمات بين طهران وواشنطن يتم تقييد البرنامج النووي الإيراني، وتلتزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 60 بالمئة وعدم تكديس المزيد من المواد في هذا المستوى من التخصيب، على حد قوله.
ويرى خبير في شؤون إيران بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة “تل أبيب” أن رد الفعل الإسرائيلي على التقارير عن إبرام تفاهمات كان خفيفا، أما الرد على إمكانية العودة للاتفاق الأصلي (خطة العمل المشتركة الشاملة) فكان أكثر سلبية”.
واعتبر أن هذه التفاهمات هي الخيار الأفضل على الطاولة، قائلاً.. “أي خيار آخر سيكون على الأرجح أسوأ.. نحن في وضع قائم خطير جدا، فإيران على وشك أن تصبح دولة نووية مع إمكانية رفع التخصيب إلى نسبة 90 بالمئة”.
لكن لم ينف أن هذه تعد مشكلة كبيرة لـ “إسرائيل”، وخاصة أنه من وجهة نظره يحافظ على إنجازات إيران النووية، بحيث تحتفظ بكل المواد الخام التي راكمتها، وستواصل إمكانية التخصيب بنسبة 60 بالمئة، وعدّ الخبير هذه الأخبار بـ “السيئة للغاية” بالنسبة للكيان.
وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي فإنه وفقا للإطار الناشئ (التفاهمات)، ستستمر إيران في كونها دولة عتبة نووية، لأنه لا يتضمن قيودا على قدراتها بل ينص على تجميدها، وبالتالي يعترف بأنها “دولة عتبة” بموافقة الولايات المتحدة ومن دون ضمانات كافية لعدم اختراقها القدرة نووية.
وحول ما يقلق الكيان، أوضح مركز الأبحاث أن حالة دولة العتبة تعني أن إيران ستحتفظ بخيار حيازة أسلحة نووية عندما تقرر أن الظروف تسمح أو تلزمها في رأيها بالانتقال إلى القدرة النووية العسكرية، وهذا يخلق تهديدا مستمرا لإسرائيل، بسبب عدم توقع تفكيك هذه القدرة، حسبما نشر المركز.
وحول الردود الإسرائيلية، أكد الباحث “خليق” أن حالة عدم التوافق بين المؤسسات الإسرائيلية تجاه الاتفاق بين طهران وواشنطن تكشف المزيد عن الأزمة السياسية الداخلية للكيان. ويرى أن كل ما يمكن التوصل له لن يكون متوافقاً مع الرغبات الإسرائيلية، ويقول.. “العودة للاتفاق النووي يشكل مخاطر ستحيط بإسرائيل، وإن لم يحدث فهناك أيضا مخاطر جمة حولها”.