“رحلت ابنتي “أديل” وهي جالسة إلى جانبي في السيارة، رصاصة قنص اخترقت جسدها على طريق “حرستا” في الرابع من أيلول عام 2019″.. هكذا بدأت “إيفا استيفان” 52 عاماً حديثها عن ابنتها التي انتهت حياتها قبل أن تبدأ، إثر حادثة مؤسفة في منطقة حرستا التي كانت يومها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية.
تقول “أم جورج” إن دموعها طوال 11 عاماً على رحيل “أديل 16 عاماً” لم تنل منها، والرصاصة التي استقرت في روحها دفعتها لتحقيق حلم ابنتها التي سلب منها قسراً، لتكون “أديل” واحدة من هؤلاء الذين تحقق أحلامهم بعد رحيلهم عن الحياة ويتركون أثراً لا يمحى.
وبحسب “استيفان” فإن القصة بدأت من هنا.. “كنا عائدين من عيد السيدة في معلولا لم أكن أدري أن تلك هي آخر لحظة أرى فيها ابنتي، أديل كانت ابنة الحياة ترفض السفر وترك هذه البلاد، لكنها بطريقة أو بأخرى تركتها”.. تصمت “أم جورج” لثوانٍ محاولة تمالك نفسها في استحضار الحادثة وتكمل.. “شعور الفقد لن يتخلى عن ذاكرتي، من المفترض أن تكون أديل الآن قد أنهت دراستها الجامعية، وأن تكون قد حققت أحلامها وأمنياتها، لكن السماء كانت أقرب إليها”.
من الألم إلى الأمل:
“حصتنا من الحرب كانت كبيرة جداً، الله اختار “أديل” فداءً لعائلتنا”.. تحاول “أم جورج” ترجمة إيمانها بقضاء الله وقدره مؤكدة أن لا اعتراض على حكمته ولا يمكن أن نحيا إلا بالإيمان، الأمر الذي دفعني للتفكير كثيراً بالعائلة وإخوتها وآثار الفقد على حالتهم النفسية، كانت “أديل” شقيقتهم الوسطى، وصحيح أن الجرح لا يندمل ولكن كان لا بد وأن اترك نزيف القلب للقلب، وعدت إلى طفلتي، انطلقت منها لأحول الألم إلى أمل، وجعلته دافعاً لتحقيق ما كانت ترغب به يوماً من الأيام، كانت رغبتها تفوق حزني وتمدني بطاقةٍ لا نهاية لها، تقول أم جورج.
حققت حُلَم ابنتها بعد رحيلها:
“خلدت ذكرها بتحقيق حلمها” قالتها “أم جورج” وأكملت.. “في السنة الأولى بعد استشهادها لم أتقبل أن يسير الأمر بهذه البساطة، فكرت بحلمها وأنها كانت من المفترض أن تحضر نفسها لتقديم البكالوريا كي يكون لديها روضتها الخاصة مستقبلاً، فجهزت أوراقي وقدمتها عنها وأنا في عمر 46 عاماً، نجحت بمعدل يخولني دخول رياض الأطفال في التعليم المفتوح في عام 2015 وتخرجت منه في عام 2019، ولم ينتهِ حلم أديل هنا كانت رغبتها تجعلني أقوى وأقوى، قدمت أوراقي للدبلوم وانتهيت منه وأنا اليوم في عامي الـ 52 انتظر نتائج امتحان اللغة لأكمل في الماجستير، لم يكن لدي شك ولو لحظة واحدة أنني لست قادرة، كنا ننتظر العلامات وكأن أديل هي التي نجحت، في كل مرة تصدر فيها علامة لي كانوا إخوتها يكلمونها عبر صورتها ويخبروها “أنتي معنا وأمنا رح توصل”.
وتقول “أم جورج” إن أديل كانت صغيرة في العمر لكنها تركت بصمة كبيرة بالحياة، ويومياً أتعرف على أشخاص بسببها يقولون لي إنت أمها لأديل، أما بالنسبة للروضة هنالك عقبات تواجهني إلا أنني مصرة على تحقيق حلم ابنتي.
وفي الحقيقة قصة “أديل” ووالدتها ليست وحيدة في هذه البلاد المشبعة بالألم، تشابهها الكثير من القصص المؤسفة التي كانت سبباً ودافعاً للآخرين للاستمرار وتحقيق الأحلام والآمال، وكم هي الدروس التي تخبرنا إياها تلك القصص، بأن لا نسمح لأي شيء في التأثير علينا سلباً وأن تكون قصص التحدي التي تجسدها “أم جورج” وغيرها الكثير، أهم دوافعنا للاستمرار وتحويل الانكسارات إلى فرص.