نساء سوريات في مصر.. من أوجاع اللجوء إلى ريادة العمل والإبداع

وسط صخب الحياة اليومية في مصر، تتوارى خلف الزحام حكايات نساء سوريات قررن تحويل محنة اللجوء إلى فرصة، وبعث الأمل من رحم الغربة، نساء حملن معهن الشغف والإصرار، وتمسكن بحقهن في أن يكن فاعلات في مجتمع جديد، يتركن فيه بصمة من العطاء والإبداع.

في القاهرة وغيرها من المدن، بدأت لاجئات سوريات إطلاق مشاريع صغيرة في مجالات متنوعة، سعياً للاستقلال المادي ودعماً لأسرهن.

ومن أبرز هذه المشاريع: الطبخ المنزلي، والتجارة عبر الإنترنت، وصناعة المنتجات اليدوية، فيما اختارت أخريات دروباً أكثر فنية، كالعمل في التصوير، والرسم، وتصميم المناسبات وإدارتها.

ووفق تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن اللاجئات السوريات في مصر قدّمن نموذجاً يحتذى به في التحول من النزوح والضغوط إلى ريادة اقتصادية حقيقية، عبر مشاريع تخدم أسرهن والمجتمع.

وأكد تقرير لمركز “ويلسون سنتر” الأميركي أن السوريين، وبينهم النساء، لم يكونوا مجرد متلقين للمساعدات، بل ساهموا بفعالية في إطلاق مطاعم، وورش خياطة، ومبادرات منتجة.

من أدوار تقليدية إلى نساء معيلات

قبل الحرب، لم تكن كثيرات من النساء السوريات يتخيلن أنفسهن معيلات أو صاحبات أعمال، لكن النزوح غيّر هذه المعادلة، ودفع العديد منهن إلى كسر الأدوار النمطية والخروج إلى سوق العمل، إما بسبب فقدان المعيل أو الرغبة في تحقيق استقلال اقتصادي.

اقرأ أيضاً: تعيينات جميعها لرجال في وزارة الخارجية السورية..أين تمكين المرأة؟

تقول مها عرقسوس لموقع “تلفزيون سوريا”، وهي لاجئة سورية تدير مشروعاً لتصميم ديكورات المناسبات:

“كل ما امتلكته في البداية كان شغفاً بالترتيب، ورثته عن والدتي، صممت أول حفل عيد ميلاد لطفلة سورية ونجحت، ثم بدأت الطلبات تنهال من خلال التوصيات.”

وتتابع: “ظننت أن هذا النوع من العمل حكر على الرجال أو من يملكون رأس مال، لكن الغربة علمتني أن أبدأ من الصفر، حتى وإن كانت البداية بسيطة.”

الرسم.. من الألم إلى الإبداع

في حي “مدينتي” بالقاهرة الجديدة، حولت الفنانة التشكيلية إسراء كامل، القادمة من حلب، غرفتها الصغيرة إلى مرسم ينبض بالألوان. تقول:

“في البداية لم أكن أجرؤ على الإمساك بالفرشاة، لكن شيئاً فشيئاً عدت إلى عالمي. كأنني أشفى من جرح قديم.”

إسراء التي تعمل اليوم في تعليم الرسم، وتعد الطلاب لامتحانات الفنون، شاركت في معارض فنية بمصر باسم سوريا، وتحوّل فنها إلى مصدر دخل ورسالة شخصية في آنٍ واحد.

عدسة توثق الحنين

منار عرب (29 عاماً)، تقيم في مدينة العبور، بدأت مسيرتها في التصوير رغم إصابة جسدية خلفتها الحرب، فقدت شقيقتها في قصف على منزلهم في دمشق، وبُتر جزء من كف يدها اليمنى، لكنها أصرت على المضي.

“لم أستسلم، درست في كلية الآداب، وتابعت شغفي بالتصوير رغم الصعوبات. لم أملك كاميرا في البداية، واليوم أملك شركتي الصغيرة، وأغطي حفلات ومناسبات اللاجئين.”

وتؤكد منار: “عدستي ليست محايدة، أبحث عن الملامح التي تحمل حنيناً وإنسانية، وأوثقها وسط الزحام.”

ما وراء الكسب.. أثر اجتماعي ونفسي

لا يقتصر تأثير هذه المشاريع على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى إعادة بناء الثقة بالنفس، والاندماج الاجتماعي، وتقديم صورة إيجابية عن المرأة السورية.

تقول الباحثة الاجتماعية نهى عبد السلام، العاملة في مجال الاندماج المجتمعي:

“المرأة السورية في مصر تمثل صموداً مضاعفاً، صمود أمام الحرب، وأمام تحديات النزوح، العمل منحهن وسيلة لإثبات الذات، وتأكيد قدرتهن على المساهمة مثل أي مواطنة.”

بين الفرص والتحديات

ورغم النجاحات الملحوظة، لا تزال النساء السوريات في مصر يواجهن عدداً من العقبات، من أبرزها:

  1. صعوبة الحصول على تصاريح العمل بسبب تعقيدات الإقامة القانونية.
  2. عدم الاعتراف بالشهادات السورية، ما يحدّ من فرص العمل في التخصصات الأصلية.
  3. نقص التمويل، إذ بدأت معظم المشاريع بإمكانيات بسيطة.
  4. الضغط النفسي على النساء المعيلات أو الأرامل، ممن يتحملن عبء الأسرة وحدهن.

ورغم كل ذلك، تحظى جهود النساء السوريات بتقدير واحترام من المجتمع المصري، ويُنظر إليهن كرمز للكد والاجتهاد والتحدي.

إنها حكاية صمود أنثوي في وجه الغربة، حكاية نساء رفضن أن يكنّ مجرد أرقام في قوائم اللجوء، وصنعن لأنفسهن مسارات نجاح بألوان من الشجاعة والابتكار.

 

اقرأ أيضاً: العمل عن بُعد في سوريا: نافذة أمل وتحديات تواجه النساء

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.