داما بوست- عمار ابراهيم | يرتبط شهر رمضان المبارك عند السوريين بـ “الطبخات البيضاء”، كما حال مختلف الشعوب بعاداته وموائده، وهي من العادات والتقاليد الخاصة في سوريا.
ولشهر رمضان المبارك في سوريا عاداته وطقوسه، من أقدمها وأكثرها شيوعاً بدء أولى أيامه بالإفطار على “الطبخات البيضاء”، في تقليد مستمر خلال عقود ماضية، لكن الأمر اختلف منذ بدء سنوات الحرب في البلاد.
ويشير مصطلح “الطبخة البيضاء” إلى الأكلات التي يدخل اللبن كمادة أساسية في تحضيرها، وما أكثر تلك الأكلات على امتداد المحافظات، مثل الشاكرية كوسا باللبن والشيش برك والكبة اللبنية التي يختص بها أبناء حلب.
لكن تلك الأكلات بدأت تختفي تدريجياً من على مائدة السوريين بشكل ملحوظ، وبشكل خاص خلال السنوات القليلة الماضية جراء التدهور المستمر لقيمة الليرة السورية وانعكاس ذلك على أسعار مكونات المواد الغذائية على اختلافها.
مشتقات الحليب ترتفع
وشهدت مشتقات الحليب وفي مقدمتها اللبن ارتفاعات متكررة حتى أصبح يُشترى بالنصف كيلو وأحيانا ً بأقل من ذلك، مع وصول سعره إلى 8000 ليرة في معظم أسواق مدينة حمص، أسعار تقل ربما بشكل طفيف، لكنها ترتفع باستمرار وتتفاوت بين حي وآخر.
وتشتهر حمص، المحافظة الوسطى الأكبر في سوريا، بإنتاج وافر من الحليب لوجود مساحات خضراء كبيرة في أريافها مترامية الأطراف واعتماد الكثير من الأسر على تربية المواشي، لكن ذلك لم يعد كافياً أمام ارتفاع أسعار العلف والأدوية وغيرها من صعوبات التربية.
تقول رجاء (60 عاماً، متقاعدة من سكان حي كرم الشامي) ل” داما بوست” إن: “غياب أطباق اللبن أصبح أمرا ً واقعاً حتى ما قبل بدء شهر رمضان المبارك، فافتقدناه على موائدنا خلال الفطور والغداء، لعدم القدرة المالية على شرائه بشكل دائم، سيما وأن راتبي التقاعدي لا يكفي أياما ً في ظل الغلاء الكبير”.
وتابعت الأم لأربعة أولاد: “رغم أن أولادي يدرسون ويعملون لكن غليان الأسواق يبخّر المال بشكل سريع، وغاب طبق الشاكرية اللذيد عن مائدتنا في اول أيام رمضان مع وصول تكلفة هذه الطبخة إلى 75 ألف ليرة بأقل كميات اللحمة واللبن والأرز”.
سيدة أخرى من حي العباسية بمدينة حمص أشارت إلى أن: “كيلو اللبن وصل إلى 9 آلاف ليرة، وكيلو الأرز 16 ألف، وكيلو الفروج 45 ألف ليرة، دون الخوض في الزيت والغاز والتكاليف الأخرى، ما غيّر عاداتنا ببدء الإفطار خلال أولى أيام رمضان بالشاكرية والكبة والشيش برك وغيرها”.
الطبخات البيضاء تقليد متوارث منذ عشرات السنين
من جانبها، أوضحت أم سامر (80 عاماً) أن: “تحضير الطبخات البيضاء يعد تقليداً متوارثاً منذ عشرات السنين، ويشير إلى “الفال الكويس” والأمل بأن تكون الأيام خيراً كبياض اللبن المطبوخ، لكن غلاء المعيشة حول أيامنا إلى سواد وظلام دامس، وباتت الشاكرية والكبة اللبنية والشيش برك “شهوة” صعبة المنال”.
وفي جولة ل “داما بوست” على بعض أسواق مدينة حمص، تبين تفاوت أسعار اللبن بين المحال والأحياء، وبلغ متوسط سعر الكيلو 8 آلاف ليرة، وهو ما ردّه علي (صاحب محل لبيع الألبان) إلى ارتفاع تكلفة شراء الحليب من الفلاحين في الأرياف مع تكاليف النقل المرتفعة”.
ويلاحظ في السنوات القليلة الماضية تغير معيار شراء الألبان والاجبان حتى وصل الأمر للشراء بسعة صحن صغير أو ملاعق معدودة، جراء تدهور الوضع المعيشي باستمرار دون أي تحسن يذكر.