“قانون قيصر”.. فرصة مؤقتة لإنعاش الاقتصاد السوري أم بداية تحول حقيقي؟

أثار قرار الولايات المتحدة تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر” لمدة 180 يوماً، موجة من الترقب والأمل الحذر في الشارع السوري، وسط مشهد اقتصادي أنهكته سنوات الحرب والعزلة والقيود المالية الدولية.
ورغم أن الخطوة تحمل طابعاً رمزياً، يرى خبراء الاقتصاد أنها قد تشكل نافذة أولى نحو الانفراج التدريجي، لكنها لا تكفي وحدها لإنعاش الاقتصاد أو إطلاق عملية إعادة الإعمار الشاملة.

وجاء القرار الأميركي عقب لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والسوري الانتقالي أحمد الشرع في واشنطن، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تعليق العمل بجزء من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، على أن يمتد القرار لمدة ستة أشهر قابلة للمراجعة.

خطوة “إيجابية ولكن غير كافية”

يصف مازن ديروان، مستشار وزير الاقتصاد السوري، القرار بأنه “خطوة إيجابية تصب في مصلحة الشعب السوري”، لكنه يحذر من المبالغة في التفاؤل.
ويقول ديروان في حديثه لـ“العربي الجديد”: “العقوبات الممتدة منذ أكثر من عقد أثّرت في كل تفاصيل حياة السوريين، من الطاقة والغذاء إلى الدواء والتحويلات المالية، ورفعها جزئياً لن يكون كافياً لتجاوز الأزمة الاقتصادية المعقدة”.

ويضيف أن التعافي الاقتصادي بحاجة إلى رفع شامل للعقوبات، خصوصاً تلك المرتبطة بالتحويلات المصرفية والتمويل الدولي، موضحاً أن استمرار القيود يجعل من الصعب جذب رؤوس الأموال أو تمويل مشاريع البنى التحتية والإنتاج.

ويرى ديروان أن رفع العقوبات – ولو جزئياً – قد يساهم بتحسين الخدمات العامة وخلق فرص عمل جديدة، إضافة إلى تشجيع تدفق الاستثمارات العربية والدولية، بما فيها رؤوس الأموال السورية العائدة من الخارج. كما يمكن أن يؤدي إلى استقرار نسبي في سعر الصرف وزيادة القوة الشرائية وتخفيض أسعار المواد الأولية.

بوادر ثقة جديدة

يعتبر الأكاديمي الاقتصادي عمار اليوسف أن تعليق العقوبات “يمثل نقطة تحول رمزية ومهمة في مسار التعافي الاقتصادي السوري”، موضحاً أن هذه الخطوة “قد تعيد بعض الثقة المفقودة بالاقتصاد المحلي، وتمهد لانفتاح تدريجي على الأسواق الإقليمية والدولية”.

ويقول اليوسف إن القرار يعكس تغيراً في نظرة المجتمع الدولي، الذي بدأ يدرك أن العقوبات لم تحقق أهدافها السياسية، بل ساهمت في إنهاك الاقتصاد السوري والمجتمع معاً.
ويضيف أن الخطوة الأميركية “قد تفتح الباب أمام تفعيل المبادرات العربية للاستثمار وإعادة الإعمار، خاصة في قطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية”.

ويرى أن المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات اقتصادية وتشريعية شاملة، وتشجيع القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال، مشيراً إلى أن “الاقتصاد السوري يمتلك مقومات قوية من حيث الموارد البشرية والموقع الجغرافي، لكنه يحتاج إلى ثقة – وهذه الخطوة قد تكون بدايتها”.

“فسحة قصيرة للتنفس”

أما الخبير الاقتصادي خالد البرقاوي، فيرى أن القرار الأميركي يمنح “فسحة قصيرة للتنفس في جسد اقتصادي منهك”، لكنه يحذر من المبالغة في التفاؤل.
ويشير البرقاوي إلى أن الاقتصاد السوري فقد نحو 85% من قيمته خلال سنوات الحرب، وأن التعافي “سيحتاج ما بين 20 و25 عاماً حتى يستعيد نصف مستواه قبل عام 2011، حتى وفق السيناريو الأكثر تفاؤلاً”.

ويضيف أن تعليق العقوبات لا يعني رفعها بالكامل، بل يمثل فترة اختبار لمدى استعداد المجتمع الدولي لإعادة التعامل الاقتصادي مع دمشق.
ويرى أن التحسن الجزئي يمكن أن ينعكس على قطاع الخدمات وفرص العمل ومستويات الفقر، لكنه يشدد على أن النظام المصرفي السوري لا يزال معزولاً، وأن التحويلات الخارجية تمر عبر وسطاء، ما يحد من فاعلية أي تخفيف للعقوبات.

ويختم بالقول إن “الاقتصاد السوري يحتاج إلى إصلاحات بنيوية واستقرار سياسي طويل الأمد قبل الحديث عن انتعاش فعلي أو عودة واسعة للاستثمارات”.

اقتصاد بين الركود والتحسن المحدود

وفق تقديرات البنك الدولي، انخفض الناتج المحلي السوري من نحو 60 مليار دولار عام 2010 إلى تسعة مليارات فقط في 2025، أي بتراجع يقارب 85%.
كما انخفضت القدرة الإنتاجية في معظم القطاعات إلى أقل من نصف مستوياتها السابقة، بينما يعتمد قرابة ستة ملايين سوري على التحويلات الخارجية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وبلغت معدلات الفقر حوالي 70% والبطالة أكثر من 50% بين الشباب.

ومع نهاية 2025، بدأ الاقتصاد السوري يظهر بوادر تحسن تدريجي مع انخفاض التضخم إلى نحو 15% وتحسن محدود في توفر المواد الأولية، بالتوازي مع عودة بعض رؤوس الأموال السورية واستثمارات عربية صغيرة، إلا أن الخبراء يجمعون على أن الاقتصاد لا يزال هشاً ويحتاج إلى إصلاحات هيكلية واستقرار مصرفي وتشريعي لتحقيق نمو مستدام.

الصناعة.. نحو بداية جديدة

يقول ياسر السباهي، عضو غرفة صناعة دمشق، إن أكثر من 70 ألف صناعي غادروا البلاد خلال الحرب، ما أدى إلى فجوة كبيرة في الإنتاج المحلي، عُوِّضت ببضائع مستوردة بأسعار مرتفعة.
ويؤكد أن تعليق العقوبات الأميركية سيساعد الصناعيين على تخفيض تكاليف الاستيراد والتوريد المباشر دون وسطاء، ما يخفف الأعباء ويزيد من السيولة النقدية لديهم.

لكنه يشير إلى أن التحسن الحالي “لا يزال محدوداً ويحتاج إلى إطار تشريعي واضح ودعم تمويلي مستدام”، داعياً إلى توفير قروض استثمارية ميسرة وحوافز لإعادة تشغيل المصانع المغلقة.

بدوره، قال الصناعي محمد خورشيد، أحد أبرز منتجي المواد الغذائية في ريف دمشق، إن “السنوات الماضية كانت عزلة قسرية”، مضيفاً أن تعليق العقوبات “أعاد بعض المرونة للأسواق، وساهم في انخفاض تكاليف المواد الأولية وتحسين القدرة الإنتاجية تدريجياً”.

المصارف وإعادة الثقة

يبقى النظام المصرفي السوري أحد أبرز تحديات مرحلة التعافي، إذ ظل معزولاً عن النظام المالي العالمي لأكثر من عقد، مما حدّ من قدرة الشركات على الاستيراد والاستثمار.
ويرى خبراء أن تعليق العقوبات قد يشكل فرصة لإعادة تفعيل المصارف وفتح قنوات التمويل والتحويلات، بما يعيد الثقة إلى القطاع المالي ويمنح دفعة قوية لخطط إعادة الإعمار في قطاعات الطاقة والإسكان والنقل.

ويؤكد المراقبون أن أي انتعاش حقيقي للاقتصاد السوري لن يتحقق إلا بتكامل الإصلاحات المالية والقانونية مع استقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد، معتبرين أن “تعليق قانون قيصر” هو خطوة أولى على طريق طويل نحو استعادة الثقة وبناء اقتصاد متوازن قادر على التعافي والانفتاح من جديد.

اقرأ أيضاً:التايمز: ترامب واستقبال الجهادي السابق في سوريا.. فرصة لصفقة سلام أم تحديات سياسية؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.