حي قارلق في حلب.. تراث عريق يواجه الإهمال ومشكلات صحية وخدمية متفاقمة

في قلب مدينة حلب القديمة، وبين أزقة ضيقة تنبض برائحة التاريخ، يقع حي قارلق، أحد أقدم وأعرق الأحياء الأثرية في المدينة. كان الحي في الماضي مقصدًا للسياح والمصورين، بفضل مساجده التاريخية ومدارسه العريقة التي تجسّد الهوية الحلبية الأصيلة، إلا أنه اليوم يعيش واقعًا مؤلمًا تتفاقم فيه الأزمات الصحية والخدمية التي تهدد سكانه وتراثه في آن واحد.

مشكلات صحية وخدمية تضرب الحي:

قال محمد وليد قصير، رئيس مجلس حي قارلق، في حديثه لـ”نورث برس”، إن الوضع الحالي “يستدعي وقفة جادة من الجهات المعنية”، موضحًا أن أبرز المشاكل تتمثل في تربية المواشي وذبحها بين المنازل وانتشار المحال التجارية العشوائية التي تشغل الأرصفة وتعيق حركة المرور.

وأضاف أن تربية المواشي وسط الأبنية السكنية أصبحت “ظاهرة خطيرة” تسببت في انتشار الأوبئة والأمراض، وفي مقدمتها حبة اللشمانيا التي تهدد معظم الأسر في الحي.

كما يعاني الحي من انسداد شبكات الصرف الصحي وتسرّب المياه إلى أساسات الأبنية القديمة، مما يهدد سلامتها الإنشائية، وفق شهادات السكان. وأشار قصير إلى أن ازدحام السوق واحتلال الأرصفة من قبل الباعة وبائعي اللحوم يزيد الوضع سوءًا، داعيًا إلى تفعيل الضابطة العدلية وتنظيم الأسواق.

تراث حي قارلق مهدد بالاندثار:

يقول محمد صالح سمان، أحد سكان الحي، إن قارلق يعد من أقدم الأحياء الحلبية، ويضم مسجد قارلق التاريخي وأكثر من أربع مدارس تقليدية، كانت في الماضي مركزًا للحياة العلمية والدينية.

وأضاف سمان بأسى أن المسجد فقد كثيرًا من رونقه الأثري بسبب الأوضاع الصحية والذبح العشوائي حوله، ما جعل المصورين والزوار يتجنبون القدوم إليه. كما أشار إلى أن المدارس تعاني من نقص الكوادر التعليمية، خاصة من المعلمات، بسبب سوء الأوضاع الخدمية والأمنية في المنطقة.

وأوضح أن الحي الذي كان مركزًا للمجالس العلمية والذكر الصوفي “فقد بريقه بالكامل”، وأصبح المسجد مقتصرًا على أداء الصلوات فقط، بعد أن كان رمزًا للحركة الثقافية والروحانية في حلب.

المطالبة بتنظيم بيع اللحوم وتحسين الخدمات:

من جانبه، قال وضاح تراب، أحد سكان الحي، إن انتشار عمليات الذبح العشوائي وبيع اللحوم في الشوارع يشكل خطرًا على الصحة العامة، مشيرًا إلى أن “الضوضاء والمشاهد غير اللائقة المصاحبة لتلك العمليات تُرهق السكان وتؤذي الأطفال”.

وطالب بضرورة إعادة تفعيل مركز قاضي عسكر لبيع اللحوم بالجملة ومنع الذبح العشوائي في الأحياء السكنية، معتبرًا أن هذه الخطوة ستساهم في تحسين النظافة العامة وحماية الصحة العامة في قارلق.

وأضاف أن الحي يعاني من نقص في المياه والصرف الصحي وسوء الطرقات، رغم التحسن النسبي في الكهرباء وخدمات النظافة، داعيًا إلى تسريع مشاريع رصف الشوارع المتضررة وحملات مكافحة الحشرات والقوارض والكلاب الضالة.

نداء لإنقاذ التراث الحلبي:

اليوم، يقف حي قارلق في حلب بين ماضيه العريق وحاضره المأزوم، إذ يواجه خطر طمس هويته التاريخية تحت وطأة الإهمال والمشكلات الصحية والخدمية. ومع ذلك، لا يزال السكان متمسكين بالأمل، مطالبين بتدخل عاجل وحلول مستدامة تحمي تراث الحي وتضمن حياة كريمة لأهله.

إقرأ أيضاً: أهالي حلب يشتكون من عدم انخفاض أسعار الأمبيرات رغم قرارات المحافظة

إقرأ أيضاً: أزمة النفايات تتعمق في حلب.. وسط واقع معيشي متدهور

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.