ثلاثة ملفات تعرقل رفع العقوبات عن سوريا: اختبار الثقة الدولي
بعد تبنّي مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2799 في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، والذي قضى برفع اسم الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير داخليته من قوائم العقوبات الخاصة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، بدا واضحاً أن الخطوة تحمل رمزية تتجاوز الطابع الإجرائي.
فالقرار، الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا يشمل الدولة السورية أو مؤسساتها، بل يقتصر على تصحيح الوضع القانوني للشرع الذي أُدرج اسمه سابقاً بسبب صلات مفترضة بـ“جبهة النصرة” خلال المرحلة التي سبقت وصوله إلى الحكم.
ورغم محدودية نطاق القرار، اعتُبر في أوساط دبلوماسية غربية إشارة سياسية أولى إلى استعداد المجتمع الدولي لفتح قناة تعامل مشروطة مع السلطة الانتقالية في دمشق، إذ يُنظر إليه كخطوة رمزية لكسر العزلة الأممية عن القيادة الجديدة.
لكن، وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن القرار يمثل في الواقع “فترة اختبار سياسية”، لن تُتوّج برفع العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الواسعة عن سوريا إلا في حال نجح الرئيس أحمد الشرع في معالجة ثلاثة ملفات أساسية ما زالت تُعدّ عقبة أمام أي تطبيع دولي شامل: المقاتلون الأجانب، حقوق الأقليات، وضبط الحدود مع إسرائيل.
المقاتلون الأجانب.. إرث الحرب ومصدر القلق
يُعد ملف المقاتلين الأجانب من أكثر الملفات حساسية أمام الحكومة الانتقالية. فبعد أكثر من عقد من الحرب، لا يزال وجود آلاف المقاتلين الذين دخلوا الأراضي السورية من جنسيات مختلفة يثير مخاوف داخلية وخارجية على حد سواء.
ورغم سعي حكومة الشرع إلى تقديم دمج بعض هؤلاء في “الجيش السوري الجديد” على أنه خطوة نحو “توحيد البندقية” تحت راية الدولة، إلا أن الجدل احتدم حول منح الجنسية أو المناصب لهؤلاء المقاتلين، في ظل تحذيرات من أن هذا التوجه قد يهدد التوازن الديموغرافي ويقوّض الثقة الشعبية بالحكومة.
في آب/أغسطس الماضي، نقلت وكالة “رويترز” أن مقاتلين من الأويغور والأوزبك والشيشان والعرب تقدّموا بطلبات للحصول على الجنسية السورية، بدعوى أنهم “استحقوها بعد مشاركتهم في إسقاط نظام الأسد”. هذه الخطوة أثارت قلقاً غربياً متزايداً، إذ ترى عواصم أوروبية في أي تجنيس جماعي محتمل خرقاً لمفهوم السيادة الوطنية وتهديداً للاستقرار الداخلي.
وتزامناً مع ذلك، شهدت محافظة إدلب توتراً أمنياً ملحوظاً خلال الأسابيع الأخيرة، بعد عملية نفذتها قوى الأمن الداخلي في “مخيم الفرنسيين” بحارم ضد مجموعة “الغرباء” بقيادة الجهادي الفرنسي عمر أومسين، أحد أبرز المقاتلين الأجانب الذين التحقوا حديثاً بالسلطة الجديدة.
ورغم أن دمشق بررت العملية بأنها “لملاحقة خارجين عن القانون”، إلا أنها تحولت إلى أزمة ثقة بين الحكومة والمقاتلين الأجانب، خاصة بعد اعتقال عدد من قيادات “الحزب الإسلامي التركستاني” و”الأوزبك”.
تلك التطورات، إلى جانب تصريحات أميركية تربط أي رفع نهائي للعقوبات بتسوية واضحة لهذا الملف، جعلت الشرع في مواجهة تحدي مزدوج: تهدئة الرأي العام المحلي الرافض لتجنيس “الغرباء”، وإقناع المجتمع الدولي بأن سوريا الجديدة لن تحتفظ في جيشها ببذور خطر قد تعيدها إلى قوائم الإرهاب.
حقوق الأقليات.. التوازن الداخلي على المحك
الملف الثاني الذي يراقبه المجتمع الدولي عن كثب هو حقوق الأقليات الدينية والإثنية، وخاصة المسيحيين والأكراد والدروز والعلويين.
ففي ظل التحولات السياسية التي رافقت سقوط النظام السابق، تزايدت مخاوف من تهميش بعض المكونات أو تراجع تمثيلها في المؤسسات الانتقالية، الأمر الذي تعتبره الأمم المتحدة مؤشراً سلبياً على مسار الانتقال السياسي.
مصادر دبلوماسية أكدت أن الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا وكندا، تربط أي انفتاح اقتصادي أو سياسي على دمشق بمدى قدرة الحكومة الانتقالية على ضمان المشاركة المتكافئة للأقليات، وتثبيت مبدأ المساواة في الدستور المرتقب.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة نقاشات داخل البرلمان السوري المؤقت حول تعديل مواد تتعلق بالتمثيل السياسي واللامركزية، وهي خطوة قد تُعد حاسمة في تقييم المجتمع الدولي لمدى التزام السلطة الانتقالية بمسار الإصلاح.
الحدود مع إسرائيل.. اختبار السيادة والتهدئة
أما الملف الثالث فيتعلق بـ ضبط الحدود مع الجولان المحتل، وهو أحد أكثر الملفات تعقيداً في العلاقة بين دمشق والغرب.
فمع تزايد الحوادث الحدودية خلال العام الماضي، ترى الولايات المتحدة وفرنسا أن قدرة الحكومة الانتقالية على حفظ الاستقرار في الجنوب السوري ستكون مؤشراً عملياً على نضجها السياسي والأمني.
ويعتبر مراقبون أن تكرار الاشتباكات قرب القنيطرة، إلى جانب نشاط بعض الفصائل غير المنضبطة، يثير شكوكاً حول قدرة الحكومة الجديدة على فرض سيادة كاملة على الحدود، وهو ما يربطه بعض الدبلوماسيين مباشرة بملف العقوبات واستمرار العزلة الاقتصادية.
اختبار ما بعد القرار 2799
يرى محللون أن القرار 2799 لم يكن سوى خطوة أولى في مسار سياسي طويل ومعقد، يهدف إلى اختبار مدى التزام دمشق الجديدة بالمعايير الدولية المتعلقة بالأمن وحقوق الإنسان والإدارة المتوازنة للتنوع السوري.
ومع أن رفع اسم الشرع من قوائم العقوبات عُدّ رمزياً في جوهره، إلا أنه أطلق سلسلة من التحركات الدبلوماسية المترقبة، وسط ترقب غربي لما إذا كانت الحكومة الانتقالية قادرة على معالجة الملفات الثلاثة التي ستحدد مستقبل علاقتها بالمجتمع الدولي.
وفي انتظار الخطوات المقبلة، تبقى سوريا أمام فرصة ضيقة ولكن حقيقية لاختبار نواياها في بناء دولة متوازنة، قادرة على استعادة موقعها القانوني والاقتصادي في النظام الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة.
اقرأ أيضاً:تعليق مؤقت لعقوبات “قيصر”.. واشنطن تفتح الباب أمام صفقة سياسية جديدة بشأن سوريا