دمشق و”قسد”: خلافات وتصعيد يعمّقان الهوة
لا تزال العلاقة بين الحكومة السورية الإنتقالية وقوات “سوريا الديمقراطية” (قسد) تراوح مكانها، إذ لم تفضِ المفاوضات الجارية منذ توقيع اتفاق 10 آذار/مارس الماضي إلى نتائج ملموسة، فيما تتصاعد التوترات على خطوط التماس شمالي وشرقي البلاد.
ورغم أن الجانبين يبدوان حريصين على تجنّب صدام عسكري شامل، إلا أن المؤشرات الميدانية والسياسية تعكس اتساع الفجوة. ففي ريف حلب الشرقي، قُتل مدنيان وأصيب ثلاثة آخرون جراء قصف متبادل، بحسب وزارة الدفاع السورية، التي اتهمت “قسد” باستهداف منازل مدنيين في قرى الكيارية ورسم الأحمر وحبوبة كبير. وردّت وحدات الجيش باستهداف مصادر النيران بحسب الوزارة.
في المقابل، تستمر “قسد” في تعزيز مواقعها الدفاعية وحفر الأنفاق في أرياف حلب والرقة والحسكة، وهو ما اعتبرته مصادر سورية دليلاً على “عدم التزامها ببنود اتفاق مارس”، الذي نصّ على وقف التصعيد ودمج “قسد” تدريجياً ضمن المنظومة العسكرية السورية.
سياسياً، تتمسك “قسد” بطرحها حول “اللامركزية السياسية”، بوصفها جوهر مشروعها، وهو ما شدد عليه صالح مسلم، القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، حين دعا لأن يكون الأكراد “شركاء في كل مفصل من مستقبل سورية”. بالمقابل، تطالب الإدارة الذاتية بضمانات دولية لأي اتفاق مع دمشق، من واشنطن وباريس والرياض تحديداً.
التباين يتسع أيضاً في الملف التعليمي، إذ قررت الإدارة الذاتية مؤخراً حظر مناهج وزارة التربية السورية في مناطقها، وفرض مناهج خاصة بها، الأمر الذي أثار اعتراض فعاليات محلية، واعتُبر ورقة ضغط إضافية على دمشق. كما أبلغت جامعة “الفرات” في الحسكة بضرورة إخلاء كلياتها، في خطوة نحو تعزيز “جامعة روجآفا” غير المعترف بها رسمياً.
على الصعيد الاقتصادي، التقى القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، عدداً من المستثمرين لبحث إقامة مشاريع في مناطق سيطرتها، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى استقطاب رؤوس أموال عربية لإعادة الإعمار في مناطقها.
في المقابل، تتحرك دمشق لفتح قنوات مع المجلس الوطني الكردي، أبرز خصوم حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ يُتوقع أن يزور وفد من المجلس العاصمة خلال أيام، ويلتقي الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. خطوة قد تسعى الحكومة من خلالها إلى تقليص نفوذ “قسد” عبر توسيع دائرة التمثيل الكردي في المفاوضات.
المشهد لا ينفصل عن الموقف التركي، إذ ترى أنقرة في “قسد” امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتحذّر من أن “صبرها لن يطول”، وفق المحلل التركي فراس رضوان أوغلو، الذي اعتبر أن أنقرة قد تلجأ إلى الخيار العسكري إذا لم تُدمج “قسد” في الجيش السوري بنهاية العام، شرط وجود ضوء أخضر أميركي.
ورغم أن اتفاق مارس الماضي وُصف حينها بالخطوة نحو تسوية شاملة، فإن التطورات الأخيرة، من التصعيد العسكري إلى الخلافات حول التعليم والإدارة، تشير إلى أن الطريق بين دمشق و”قسد” لا يزال مليئاً بالعقبات، وأن أي تفاهم يحتاج إلى دعم وضمانات خارجية لتفادي انزلاق المنطقة نحو جولة جديدة من العنف.
اقرأ أيضاً:تصعيد عسكري في ريف حلب الشرقي بين قسد والحكومة الانتقالية