أنقرة بين “إسرائيل” والأكراد: معضلة جديدة في المشهد السوري

نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية تقريراً مطولاً حول التحديات التي تواجه تركيا في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، معتبرة أن أنقرة التي كانت تتوقع تحول الجارة الجنوبية إلى “فرصة استراتيجية”، وجدت نفسها أمام مشهد أكثر تعقيداً، تحيط به تهديدات من “إسرائيل”، وضغوط متزايدة من الأقليات السورية المطالبة بالحكم الذاتي، إلى جانب توازنات إقليمية ودولية متقلبة.

من ارتياح إلى مأزق

مع سقوط الأسد أواخر العام الماضي، شعرت أنقرة بارتياح أولي، خاصة أن التطورات بدت وكأنها تخفف من أعباء استمرت أكثر من عقد، بينها ملف اللاجئين السوريين، والنفوذ الروسي والإيراني، والوجود الكردي المسلح قرب حدودها. غير أن هذه الآمال لم تدم طويلاً، إذ تبيّن أن الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد الشرع لم تتحول إلى حليف مضمون، وأن الواقع الجديد أطلق سباق نفوذ إقليمي غير متوقع.

النفوذ الإسرائيلي المتصاعد

وفق التقرير، برزت “إسرائيل” بسرعة كأكبر تحد لتركيا في سوريا الجديدة. فبعد يوم واحد من سقوط النظام السابق، عززت تل أبيب وجودها العسكري في الجولان المحتل، وتوغلت بعمق 12 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وأقامت نقاطاً عسكرية عدة، بالتوازي مع حملة جوية استهدفت مواقع عسكرية سورية.
“إسرائيل” بررت هذه التحركات بأنها دفاعية ولحماية الأقليات، إلا أن أنقرة رأت فيها محاولة لفرض هيمنة جديدة في المنطقة، بما يهدد التوازنات التي كانت تراهن عليها لإطلاق مسار تفاوض داخلي مع حزب العمال الكردستاني.

تحولات في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية

التقرير يوضح أن العلاقة بين أنقرة وتل أبيب فقدت الكثير من ركائزها السابقة. فإسرائيل لم تعد تعتمد على تركيا عسكرياً أو سياسياً كما في تسعينيات القرن الماضي، بعدما عززت شراكاتها مع اليونان وقبرص، وتوسعت في إطار “الاتفاقيات الإبراهيمية”. النتيجة، بحسب فورين بوليسي، أن إسرائيل باتت أقوى عسكرياً وأقل احتياجاً لتركيا، وهو ما يثير قلقاً متزايداً لدى صانعي القرار في أنقرة.

أزمة السويداء وتداعياتها

أحداث السويداء الأخيرة شكّلت، بحسب التقرير، نقطة تحول إضافية. فقد فشلت قوات الحكومة السورية المؤقتة في احتواء موجة عنف طائفي بين الدروز والبدو، وسط اتهامات للقوات الحكومية بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين. “إسرائيل” استغلت هذه الفوضى لتعزيز دورها كـ”ضامن أمني” للأقليات في الجنوب، عبر قصف مواقع عسكرية سورية وصولاً إلى دمشق.
هذا المشهد، وفق المجلة، أضعف موقف دمشق وأربك حسابات أنقرة، خاصة أن بعض الأقليات، ومن بينها الكرد، أعادت طرح الحكم الذاتي كخيار لحماية نفسها، ما يهدد رؤية الدولة المركزية التي تدعمها أنقرة.

حسابات واشنطن وموسكو

التقرير يشير إلى أن أنقرة حاولت الاستعانة بواشنطن لاحتواء هذه التحديات، لكن الجهود الأميركية لم تثمر، خصوصاً فيما يتعلق بملف الأكراد. وفي المقابل، لجأت تركيا إلى تعزيز التنسيق مع روسيا، معتبرة أن نفوذ موسكو قد يساعد على موازنة التوسع الإسرائيلي. إلا أن فورين بوليسي رأت أن الاعتماد على روسيا محفوف بالمخاطر، إذ لا تبدو موسكو مستعدة لمواجهة “إسرائيل” أو للضغط بجدية على القوى الكردية.

معضلة مستمرة

خلاصة التقرير أن تركيا تواجه في سوريا اليوم “صداعاً مضاعفاً”، بعدما تحولت فرصة سقوط الأسد إلى مشهد متشابك بين نفوذ إسرائيلي متزايد، وطموحات كردية متجددة، وتوازنات دولية غير مستقرة. وترى المجلة أن أنقرة بحاجة إلى مراجعة مقاربتها التقليدية التي تقوم على فرض مركزية الدولة، معتبرة أن ضمان استقرار سوريا قد يتطلب صيغة أوسع للاعتراف بالحكم الذاتي المحلي وحقوق الأقليات، وهو ما سيبقى موضع جدل داخلي وإقليمي في المرحلة المقبلة.

اقرأ أيضاً:تهديدات إسرائيلية لتركيا: توتر متزايد حول النفوذ العسكري في سوريا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.