ينحاز العالم نحو إنشاء تكتلات متعددة لمختلف الأهداف، وتسعى العديد من الدول للحصول على غطاء ضمن هذه التكتلات يحميها في ظل التنافس الشديد في العالم والنزاعات، تكتلاتٌ اقتصادية كانت أم سياسية أو عسكرية، جميعها تصب في خلق بيئة مشتركة من التعاون الذي يربط مصالح الدول المتشاركة ضمن هذا التحالف.
وباتت أغلب دول العالم سواء المتقدمة أم النامية تتجه نحو الدخول والانضمام إلى التجمعات والتكتلات الإقليمية والعالمية، إذ تقدمت في الآونة الأخيرة عشرات الدول بطلبات انضمام للتكتلات الاقتصادية مثل “بريكس” و”مجموعة العشرين” وأفضت في النهاية لإعلان بريكس ضم 6 دول جديدة، بينما ضمت مجموعة العشرين 55 دولة ممثلةً بالاتحاد الإفريقي، فيما تقدمت كل من فنلندا والسويد بطلبات للانضمام إلى حلف الناتو، ونجحت فنلندا في ذلك، فيما بقيت السويد بانتظار القبول.
أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي “محمد محمود مهران” أكد في تصريح خاص لـ “داما بوست” أن الدول التي تسارع للانضمام للتكتلات العسكرية تندرج أسبابها تحت توفير الأمن والدفاع الجماعي، والتعاون الاستراتيجي، والتصدي للتهديدات المشتركة، فيما يمنحها الانضمام للتكتلات الاقتصادية فرصة قوية لزيادة حجم التجارة والاستثمارات، وتحقيق نمو اقتصادي أكبر، وتعزز من قدرتها التنافسية، وتضمن الحصول على حماية اقتصادية أكبر، فمثلا في حالة حدوث أزمات اقتصادية أو تغيرات في السياسات التجارية لدول أخرى، يمكن للدولة العضوة في التكتل أن تستفيد من آليات الحماية المتاحة في إطار التكتل، حسب قوله.
عملة “بريكس” ومخاوف الغرب:
ينعكس التوسع الذي شهدته “بريكس” في إطار زيادة الثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري لهذه المنظومة، إذ أضافت أحد أقوى الجيوش على المستوى العالم للمجموعة “السعودية ومصر وإيران” عدا عن دراساتها إمكانية طرح عملة مشتركة تربط الأعضاء وتلغي هيمنة الدولار على كافة التعاملات التجارية عبر العالم، بيد أن هذه العملة لم يتم طرحها في قمة جوهانسبرغ مؤخراً إلا أنها قيد الدراسة إلى حين تتوافق جميع الدول على آلية مشتركة.
ويرى “مهران” أنه يمكن لـ “بريكس” إيجاد نظام مالي وطرح عملة مشتركة بين دولها، لكن ذلك يحتاج إلى اتفاق وتعاون شامل بين الدول الأعضاء وتوافق سياسي واقتصادي قوي، وقال إنه “لا يزال النظام المالي الدولي يعتمد بشكل رئيس على العملات المحلية للدول الأعضاء في تحالف بريكس والدولار الأمريكي، لكن إن نجحت المجموعة بإنشاء نظام مالي وعملة مشتركة، يعني أن الغرب سيفقد جزءاً من السيطرة على النظام المالي العالمي”.
منافسات التكتلات الاقتصادية:
وفي مقارنة بين أضخم التكتلات الاقتصادية قوة على المستوى العالمي، أوضح أستاذ القانون الدولي العام أن تحالف “بريكس” يتمتع بقدرة اقتصادية أكبر من مجموعة السبع، حيث يمثل حوالي 42٪ من سكان العالم وحوالي 23٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي، بالمقابل، تمثل مجموعة السبع حوالي 10٪ فقط من سكان العالم وحوالي 30٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وأضاف.. “بريكس تهدف إلى تعزيز استقلالية الدول الأعضاء في الأمور الاقتصادية والمالية، من خلال إنشاء بنك بريكس لتمويل المشاريع التنموية في الدول الأعضاء وتعزيز التجارة بينها وتطوير آليات تجارية بديلة مثل تبادل العملات المحلية بدلاً من الدولار، إضافة لتعزيز دور صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لتكون أكثر شمولاً وتمثيلية للدول النامية”.
وبحسب رأيه، فإنه رغم كل هذه الجوانب الإيجابية لـ “بريكس” إلا أن مجموعة السبع لا تزال تتمتع بتأثير كبير في الشؤون العالمية وتمثل قوى اقتصادية وسياسية رئيسة، ومن المهم أن تتشارك القوى المنضوية تحت التكتل في الرأي السياسي وتكون متجانسة بينها، ومع ذلك، لا يعني أنه يجب أن يكون هناك توافق كامل بين الدول الأعضاء في جميع القضايا.
مستقبل التكتلات الاقتصادية والدول المنضوية تحتها:
ويرى عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي “محمد محمود مهران” في حديثه مع “داما بوست” أن مستقبل هذه التحالفات يعتمد بشكل رئيس على قدرتها على التعاون والتوافق الداخلي، فلو كانت هناك توترات كبيرة وعدم توافق بين الدول الأعضاء، فإن ذلك قد يؤثر على قدرتها على تحقيق التغيير، وتابع.. “بالنسبة لمجموعة العشرين وتحالف بريكس، فإنهم يواجهون تحديات مشابهة في التوافق الداخلي، ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يستطيعون العمل معاً والتوصل إلى اتفاقات حول القضايا الرئيسة، ويعتمد مستقبل هذه التحالفات على قدرتها على الحفاظ على التوافق الداخلي والتعاون المستدام”.
وحول التطورات الأخيرة التي شهدتها القارة الإفريقية، يرى “مهران” أن التحركات في القارة نحو تكتلات إقليمية يمكن أن يعزز التعاون الاقتصادي والسياسي والتنمية المستدامة في القارة، رغم مواجهتها لتحديات في التوصل إلى توافقات بسبب اختلافات الثقافات والتاريخ والاقتصادات بين الدول الأفريقية.
وينطبق هذا على الدول العربية بحسب رأي الأستاذ في القانون الدولي، فهي تواجه تحديات في التوافق السياسي والاقتصادي بسبب اختلافات الأنظمة السياسية والثقافات، لكن هناك جهود لتكوين تحالفات وتكتلات إقليمية مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول العربية وتحقيق المصالح المشتركة، حسب قوله.
وتعد زيادة انتشار هذه التكتلات وضمها العديد من الدول، شكلاً من أشكال العالم الجديد الذي يتبلور يوماً بعد يوم بشكل متسارع، والذي يفتقد لوجود قوة واحدة مهيمنة يتركز فيها الثقل الأكبر عالمياً، وما يروج له إعلامياً حول التوجه العالمي نحو السياسة متعددة الأقطاب بات يأخذ مساحته من التطبيق بشكل واضح.