السويداء بين الحكم الذاتي ووحدة الدولة: مستقبل سوريا الشاملة على المحك

شهدت محافظة السويداء، بين 13 و23 تموز/يوليو الماضي، أحداثًا دامية تركت أثرًا عميقًا على المشهد السياسي السوري، وأثارت تساؤلات حول إمكانية تشكيل حكومة وطنية شاملة تدير كامل البلاد.

أولى المؤشرات جاءت مع انعقاد مؤتمر “وحدة المواقف” في مدينة الحسكة، في 8 آب/أغسطس الجاري، والذي دعا إلى صياغة دستور ديمقراطي جديد يضمن حقوق جميع المكونات العرقية والدينية، ويعتمد التعددية واللامركزية. هذه الدعوة برزت رغم وجود اتفاق موقّع بين حكومة دمشق و”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا في 10 آذار/مارس الماضي، وما تلاه من مباحثات حول الاندماج بين الجانبين.

لكن الحكومة السورية أعلنت لاحقًا إلغاء مشاركتها في لقاء باريس المرتقب، بعد أن أثارت المشاركة الافتراضية لكل من الزعيم الروحي الدرزي حكمت الهجري ورئيس المجلس الديني العلوي غزال غزال – المعارضين للرئيس الانتقالي أحمد الشرع – غضب دمشق وحلفائها. الهجمات الواسعة ضد الدروز والعلويين ساهمت في تعميق المخاوف تجاه نهج القيادة الحالية.

في سياق متصل، أعلنت اللجنة القانونية العليا في السويداء، بالتنسيق مع الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، تشكيل “مكتب تنفيذي غير مرتبط بالحكومة” لتولي الشؤون الإدارية والأمنية والخدمية بالمحافظة، وهو ما فُسّر كخطوة نحو الحكم الذاتي. هذا التوجه تعزز بعد أن اتخذ شيوخ العقل الثلاثة في السويداء مواقف أكثر تشددًا تجاه حكومة دمشق الانتقالية، بما فيهم يوسف الجربوع وحمود الحناوي، اللذان كانا سابقًا أكثر انفتاحًا على الحوار مع دمشق.

رفض العودة للمركزية الكاملة

يرى الصحفي السوري فايز الدغيم أن أحداث السويداء كشفت حقيقة المواقف، وأظهرت غياب النية لدى جميع الأطراف – بما فيها دمشق – لتشكيل حكومة وطنية شاملة.

أما الباحث جوان سوز فيؤكد أن العودة إلى نموذج السلطة المركزية المطلقة قبل 2011 لم تعد ممكنة، خاصة بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، وبروز قوى أمر واقع حتى في العاصمة دمشق. ويشير سوز إلى أن الحكومة الحالية غير معترف بها دوليًا، وما يزال التنظيم الذي شكّلها مدرجًا على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن، مشددًا على أن المسار يسير نحو إدارات ذاتية وحكم لا مركزي.

معارضة داخلية وضغط خارجي

بحسب مركز “الإمارات” للسياسات، سعى الرئيس الشرع منذ وصوله للسلطة إلى توسيع نفوذ الدولة، لكن معارضته من قبل الشيخ الهجري وقائد “قسد” مظلوم عبدي، إضافة إلى أحداث الساحل وجرمانا وصحنايا، جعلت قسمًا من الرأي العام الدرزي يصطف خلف الهجري.

الدول التي تجاهلت سابقًا إشراك المعارضة والأقليات بدأت، عقب أحداث السويداء، بالمطالبة بمنحها دورًا أكبر في العملية السياسية، مع دخول فرنسا على خط الوساطة. وتشير تسريبات إعلامية إلى احتمال تعديل الشرع لتشكيل حكومة أوسع تمثيلًا، دون تغيير جذري في سياسته.

هشاشة التفاوض مع “قسد”

الأحداث الأخيرة ألقت بظلالها على المفاوضات بين دمشق و”قسد”، إذ وصفت الأخيرة ما حدث بأنه “انتهاك لتطلعات السوريين”، ودعت إلى ضمان عدم تكرار الهجمات، مؤكدة على المبادرات الوطنية الجامعة. مصادر حكومية صرحت أن مؤتمر الحسكة وجّه ضربة لهذه المفاوضات، ما دفع دمشق لرفض المشاركة في اجتماعات باريس.

خيارات المرحلة الانتقالية

الصحفية رشا نداف ترى أن اللامركزية كانت خيارًا ممكنًا لتجنب أحداث الساحل والسويداء، ويمكن اعتمادها مؤقتًا خلال المرحلة الانتقالية. لكنها تعتبر أن السلطة في دمشق عززت خطابًا استقطابيًا وأعادت إنتاج شعارات فاشية، بدل الانفتاح على الحوار الوطني.

الدغيم من جانبه يؤكد أن الحكومة لم تسعَ لتمثيل جميع أطياف المعارضة، وحتى الأفراد المعارضين الذين قبلت التعامل معهم، كان ذلك بشروط إقصائية. ويرى أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ، مع احتمال اللجوء إلى حلول خارجية، بعد فشل المبادرات الداخلية.

مفترق طرق

تقرير لـ”سكاي نيوز” يصف الوضع الحالي بأنه لحظة حاسمة للرئيس الشرع، بين خيار الإبقاء على نموذج الدولة الموحدة التقليدية، أو تبني نموذج حكم تشاركي يمنح سلطات حقيقية للمكونات المحلية. في الحالتين، يرى المراقبون أن سوريا تدخل حقبة جديدة لا مكان فيها للحلول الشكلية أو الدولة الأمنية.

نداف وسوز يتفقان على أن الحل يكمن في إطلاق حوار وطني شامل يشارك فيه ممثلون حقيقيون عن جميع المكونات، يتم اختيارهم من القواعد الشعبية، بهدف الوصول إلى صيغة توقف النزيف الدموي وتؤسس لبناء الدولة على أسس جديدة.

إقرأ أيضاً: قسد تتهم دمشق بخرق اتفاق وقف إطلاق النار

إقرأ أيضاً: تصريحات حاسمة من «قسد» ودمشق: خلافات حول مستقبل سوريا تهدد اتفاق الدمج

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.