قروض إنتاجية جديدة من المصرف الصناعي.. هل تكفي للإنعاش؟

بعد أكثر من عشر سنوات من الركود والتوقف شبه الكامل في منح القروض، أعلن المصرف الصناعي السوري عن بدء المرحلة الثانية من خطة الإنعاش التدريجي، التي تستهدف توسيع تمويل المشاريع الإنتاجية والصناعية بكافة أنواعها، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة جادة لدعم الاقتصاد المحلي وتحفيز القطاع الصناعي.

القروض الإنتاجية تعود في وقت حرج

يرى الصناعيون أن إعادة تفعيل منح القروض الصناعية تأتي في توقيت حساس، وسط أزمة سيولة حادّة تواجهها الأسواق السورية. ويؤكد عبد المهيمن الحلاق، صاحب معمل لإنتاج الأدوات المنزلية في ريف دمشق، أن القروض لم تعد خياراً إضافياً بل ضرورة اقتصادية، موضحاً أن تمويل المواد الأولية ودفع أجور العمال يمثل أولوية قصوى لدعم الإنتاج المحلي.

ويضيف في تصريح لـ “العربي الجديد”: “القطاع الصناعي يشكّل العمود الفقري للاقتصاد السوري، وهو مصدر رئيسي لتشغيل اليد العاملة وزيادة التصدير. دعم هذا القطاع يسهم في تحسين القيمة الشرائية لليرة السورية ويُنعش السوق المحلية”.

التمويل خطوة إيجابية لكنها غير كافية

محمد الجاسم، صاحب معمل لتصنيع الأغذية في الغوطة، يرحب بإعادة منح التمويل لكنه يضع عدة تحفظات، خصوصاً ما يتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم استقرار أسعار الطاقة. ويشير إلى أن القروض وحدها لا تكفي، مطالباً بوجود دعم فني وتسويقي، وتسهيلات في الاستيراد والتصدير، لضمان نجاح المشاريع الصناعية وزيادة تنافسية المنتج المحلي.

التمويل للمشاريع الصغيرة لا يزال مقيداً بالضمانات

رغم توسيع التمويل ليشمل قطاعات جديدة، تبقى الضمانات العقارية أحد أبرز التحديات، لا سيما لصغار المستثمرين وأصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة. ويؤكد مدير المصرف الصناعي، وجيه بيطار، أن المرحلة الثانية تشمل تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، والمشاريع المتضررة، وقروض التوسعة والتأهيل، مع وعود بتقديم تسهيلات مصرفية مرنة تراعي احتياجات كل مشروع.

وشجّع بيطار المستثمرين على الاستفادة من التمويل الصناعي الجديد، لافتاً إلى أن آليات التقديم باتت أكثر وضوحاً، مع وجود فرق متخصصة لدراسة ملفات القروض وتقديم المشورة للمستفيدين.

خبراء: التمويل خطوة مهمة ولكن التنفيذ يثير القلق

من جانبه، يرى الخبير المصرفي أنس الفيومي أن هذه الخطوة إيجابية نظرياً، لكنها تتطلب تنفيذاً فعالاً وآليات شفافة. ويؤكد الفيومي أن غياب وضوح في سقوف التمويل، ومدد الصرف، وشروط الضمانات قد يعيق تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوّة. كما حذّر من أن ترك التعليمات فضفاضة يسمح بقرارات غير موضوعية من موظفي الفروع، ما يفتح الباب أمام تمويل مشاريع وهمية أو محسوبة على جهات نافذة.

ويشدد الفيومي على أهمية إعادة هيكلة المنتجات المصرفية وتحديد أولويات التمويل نحو القطاعات التي تملك فيها سوريا ميزة نسبية، مثل الصناعات الغذائية والنسيجية، مستشهداً بنجاحات دول مثل اليابان وفيتنام في تطوير صناعاتها المحلية.

أرقام القروض الصناعية في سوريا: نمو واضح ولكن دون الطموح

بحسب بيانات المصرف الصناعي، فقد بلغ حجم المحفظة الإنتاجية المباشرة نحو 82 مليار ليرة سورية، إلى جانب تسهيلات غير مباشرة تُقدّر بـ 74 مليار ليرة، في حين وصلت الودائع إلى 250 مليار ليرة، وهو ما ساهم في تحقيق التحول من الخسارة إلى الربحية.

وفي الربع الأول من عام 2022، نما حجم القروض بنسبة 239% مقارنة بالعام السابق، حيث تجاوزت القروض الصناعية والحرفية 3.09 مليارات ليرة، مسجّلة ارتفاعاً نسبته 687%. ومع ذلك، لا تزال سقوف الإقراض محددة بتعليمات المصرف المركزي بـ 25% من صافي الأموال الخاصة للمصرف، ما يعني أن القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لا تتجاوز في معظمها 125 مليون ليرة، وبحد أقصى 250 مليون ليرة.

هل تستعيد هذه القروض ثقة الصناعيين وتدفع عجلة الاقتصاد؟

في ضوء هذه التطورات، يتساءل مراقبون عن مدى قدرة المرحلة الثانية من القروض الصناعية على إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي السوري، وهل ستكون هذه الخطوة كافية لتحفيز عجلة الإنتاج والتصدير؟ أم أن الأمر يتطلب تطويرات جذرية في السياسات التمويلية، والبنية المؤسسية، والتعاون بين القطاعين العام والخاص؟

تبقى الإجابة رهناً بمدى التزام الجهات المعنية بتطبيق إصلاحات حقيقية، تجعل من التمويل أداة فاعلة لدعم الاقتصاد لا مجرّد إجراء شكلي.

إقرأ أيضاً: الصناعة السورية تحت ضغط المنتجات المهربة: نداء حلب لإنقاذ معاملها

إقرأ أيضاً: الشباب السوري بين البطالة والاستغلال: واقع معقد وحلول مؤجلة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب توتير

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.