هل تشهد سوريا مؤشرات على تغوّل السلطة التنفيذية؟

في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، تكون الحاجة إلى الفصل بين السلطات أكثر إلحاحاً. ففي مثل هذه المراحل، قد تُفتح ثغرات قانونية تحت عنوان “الضرورة” أو “ضمان الاستقرار”، ما يسمح بتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية مؤقتاً، وقد يتحول هذا التوسع إلى نهج دائم.

سوريا، التي تمر بمرحلة انتقالية بعد صراع طويل، تواجه تحديات في بناء مؤسسات جديدة، من أبرزها ضرورة إيجاد توازن حقيقي بين السلطات، لا سيما في ظل غياب مجلس تشريعي فاعل وهيئات رقابية مستقلة. في هذا السياق، برزت تساؤلات حول طبيعة بعض القرارات الأخيرة الصادرة عن الرئاسة، والتي اعتبرها بعض المراقبين مؤشراً على احتمال تغوّل مبكر للسلطة التنفيذية على الصلاحيات التشريعية.

 

المرسومان موضع الجدل

أصدر الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، مرسومين أثارا جدلاً واسعاً. الأول أنشأ “صندوقاً سيادياً” يرتبط مباشرة برئاسة الجمهورية ويتصرف بممتلكات القطاع العام دون خضوع فعلي لرقابة تشريعية أو قضائية. أما الثاني، فقد عدّل قانون الاستثمار القائم، دون أن يمر بأي مسار تشريعي.

هذه الخطوات طرحت تساؤلات حول مدى احترام السلطة التنفيذية لنصوص الإعلان الدستوري، الذي يُفترض أن يحدد بدقة الصلاحيات الممنوحة لكل جهة في الدولة.

 

تاريخ من تركّز السلطات

التجربة السورية السابقة، في عهدي حافظ الأسد ثم بشار الأسد، اتسمت بغياب فعلي للفصل بين السلطات. كان مجلس الشعب، طوال عقود، يؤدي دوراً شكلياً، بينما كانت معظم القرارات التشريعية تصدر إما من القصر الجمهوري أو عبر مراسيم رئاسية، دون خضوع لمساءلة حقيقية.

ويبدو أن بعض المراقبين يخشون من أن تكرار هذا النموذج بصيغة جديدة قد يُقوّض فرص بناء نظام حكم ديمقراطي، خصوصاً في مرحلة انتقالية يُفترض بها أن ترسي قواعد الحوكمة الرشيدة والتوازن المؤسسي.

 

رأي قانونيين وخبراء

عدد من القانونيين عبّروا عن قلقهم إزاء المرسومين. المحامي ميشال شماس اعتبر أن تعديل قانون الاستثمار من قبل الرئيس مخالف للإعلان الدستوري، الذي لا يمنحه – وفقاً لنصوصه – صلاحية التشريع. أما الحقوقي محمد صبرا فرأى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز الصلاحيات المحددة للرئاسة، مما يشير إلى نمط قد يتكرر.

من جانبه، أشار الاقتصادي كرم الشعار إلى أن إنشاء صندوق سيادي غير خاضع للرقابة يعيد ربط المال العام بالسلطة السياسية بطريقة قد تعيق المساءلة والشفافية.

 

إشكالية الفراغ التشريعي

غياب مجلس تشريعي منتخب أو هيئة انتقالية واضحة تقوم بوظائف التشريع، ساهم في نشوء فراغ قانوني، قد يُستخدم لتبرير اتخاذ قرارات استثنائية. إلا أن البعض يرى أن هذا الفراغ لا يبرر الالتفاف على مبدأ التوازن بين السلطات، بل يفرض تسريع خطوات تأسيس بنى تشريعية انتقالية تضمن الحد الأدنى من الرقابة.

 

مخاوف من مسار مركزي

تطرح المرحلة الانتقالية في سوريا تحدياً مزدوجاً: فهي فرصة لتأسيس قواعد حكم جديدة، لكنها في الوقت ذاته، تحمل خطر العودة إلى ممارسات مركزية تتجاوز حدود السلطة المؤقتة.

وفي حال استمرت السلطة التنفيذية في اتخاذ قرارات تمس البنية القانونية أو الاقتصادية للبلاد دون مشاركة تشريعية، فإن ذلك قد يُضعف شرعية العملية الانتقالية، ويثير مخاوف من تكرار نماذج سلطوية سابقة، ولو بثوب جديد.

إقرأ ايضاً: بين السلم والعدالة: الإفراج عن ضباط النظام السابق يشعل غضب الشارع السوري

اقرأ أيضاً: صحيفة لوفيغارو الفرنسية: اختطاف وتزويج قسري لفتيات علويات في سوريا وسط تواطؤ وصمت رسمي

اقرأ أيضاً: حصريا لـ DW: خطف وابتزاز ـ قصص مأساوية لنساء علويات في سوريا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.