داما بوست | غدير إبراهيم
يسابق الفلاح السوري الزمن في موسم زراعة التبغ، محاولاً تسويق محصوله سريعاً، كي لا ينقص وزنه حال بقاءه مدة طويلة، ما يتسبب بخسارته المادية، والسباق هذا تعترضه عقبات عديدة، تبدأ بارتفاع تكاليف الإنتاج وغلاء الأسمدة وشح المياه وتقلبات الطقس التي تتسبب أحيانا بخسارة محصول كامل، وصولاً إلى أزمة الأسعار “التشجيعية” التي تقدمها “الريجة” للفلاح.
فوق الموتة عصّة قبر:
يقول “رامي ابراهيم” وهو موظف ويعمل في مجال زراعة التبغ في طرطوس لـ “داما بوست”.. “نقوم باستلام البذار من الريجة في تشرين الثاني من كل عام، كل “مشتلة” تحتاج إلى ثلاثة ظروف من البذار، والدنم يحتاج إلى ثلاثة مشاتل، تنتج تقديرياً بين مئة إلى مئتي كيلو دخان، حسب الظروف الجوية والبيئية، ونبيع الكيلو في نهاية الموسم بعشرة آلاف ليرة لمؤسسة التبغ، أم في “الحر” يصل سعره إلى 30 ألف بحالته الورقية”.
ويؤكد “إبراهيم” الذي يزرع “التبغ” منذ سنوات عديدة وجود ظلم بالنسبة للسعر المقدم من قبل “الريجة” والذي يضاف إلى سلسلة من العوائق، كغلاء الأسمدة الكيمائية الزراعية وعدم توفرها بالمصارف الزراعية، مضيفاً أن الأدوية لمكافحة الأمراض والحشرات الخاصة بالتبغ مكلفة جداً، وتأتي بفاعلية ضعيفة، يضاف عليها أجرة حراثة الأرض وسعر المياه الذي وصل إلى 60 ألف ليرة لنقلة الماء بالصهريج، وأجرة الأيدي العاملة، وقطف الدخان وشكّه ونقله إلى “الريجة” التي تقدر بمليون ليرة فقط دون كلفة عمال القطاف والشك”.
ورغم الفرق الكبير بين سعر “الريجة” وأسعار التجار أو الباعة، يبقى المبيع لمؤسسة التبغ مضموناً أكثر بالنسبة لمزارعي التبغ، ويوضح “إبراهيم”.. “تقوم الريجة باستلام الدخان من المزارع بعد شهرين من قطافه، هذه الفترة التبغ يبقى محافظاً على وزنه، إلا أن بقاءه أكثر من ذلك يعني حتماً زيادة نسبة الخسارة، فإذا كان الموسم مثلاً 200 كيلو، بعد مضي أكثر من شهرين يصبح 150 كيلو، ولا توجد ضمانات من قبل التجار بشراء كامل المحصول، لذلك تبقى “مؤسسة التبغ” أضمن لنا، وغالباً المزارعين يسلمونها درجة ثالثة “بس بتتزبّط بــ 10 ألاف ليرة يصبح النخب الثالث نخب أول” حسب قوله.
من جانبها، قالت “نجوى” وهي مزارعة في محافظة اللاذقية لـ “داما بوست”.. “وصل سعر السماد الكيماوي إلى 300 ألف وسعره لازال يواصل الارتفاع، أما بالنسبة للمياه “نحنا الله راحمنا” لدينا خزان أرضي تملؤه الأمطار الشتوية، ونقوم بري التبغ كل أسبوع تقريباً، عندما يصبح الدخان ورق يكون جاهز للقطاف، ودايماً لدينا خوف من الأمطار القوية وحبات البرد، فهي كافية لتجعل موسم الدخان كاملاً على الأرض”.
وأوضحت “نجوى”.. “نحن كمزارعين نقوم بشّك التبغ بخيطان خاصة فيه وتشميسه وتيبيسه، ليس لدينا رخصة من الريجة ولكننا نحصل على البذار من رخصة قريب لنا ونبيع باسمه للريجة”.
الريجة تحاول تحسين الأسعار:
وحول أسعار التبغ، أكد مدير الزراعة والبحث العلمي في “الريجة” المهندس أيمن قره فلاح لـ “داما بوست” تشكيل لجنة تضم ممثل عن اتحاد الفلاحين ووزارة الزراعة بالإضافة إلى المعنيين بالمؤسسة، ويتم مناقشة بنود كلفة كل واحد كيلوغرام من كل صنف، مع ترك “هامش ربح” للمزارع، على أن ترفع اللجنة اقتراحها إلى المدير العام وإلى مجلس الإدارة ثم ترفع إلى اللجنة الاقتصادية عن طريق وزارة الصناعة.
وأوضح “فلاح” أن أسعار الدرجة الأولي لكل كيلو غرام من كل صنف، حيث بلغت “فرجينيا” 8300 ليرة سورية، و7300 “برلي” فيما حدد سعر “كاتريني” 9500، و”بصما” بـ 10500، و”شك البنت” بـ 9500، أما بالنسبة لـ “تنباك” 7500، وأخيراً “بريليب” بـ9500″.
ولأنواع التبغ السابقة درجات يشير إليها “فلاح”.. “كباقي المحاصيل يتراوح التبغ بين الخفيف والثقيل، ويختلف بحسب درجة الطول ونسيج الورقة، والمادية واللون، بالإضافة إلى مواصفات فنية معتمدة ومحددة من قبل لجنة فنية من المؤسسة، تُصدر تلك المواصفات ويتم شراء التبغ من قبل “الخبير الشاري” الذي خضع لدورة خبير فرز وشراء وتخزين للتبغ”. إلا أنها وبحسب تصريحات المزارعين آنفة الذكر تسعر جميعها بالسعر الأفضل حال استطاع المزارع “تزبيط أموره”.
وتراجعت زراعة التبغ خلال الأعوام الماضية، ويبرر المعنيون السبب بنقص المخزون المائي، فيما تحاول الجهات المعنية إيجاد حلول إسعافية لمساعدة المزارعين لتأمين الأسمدة البديلة تسليفاً على المحصول والسماح بتجفيف صنف “الفرجينيا” بطريقة الأنفاق بدلاً عن الأفران المعدة التي تعمل على المازوت، بالإضافة لتحمل أعباء ونفقة نقل التبغ من المزارع إلى المؤسسة، حسب تأكيد “فلاح”.
وازداد عدد تجار التبغ بشكل ملحوظ في “السوق السوداء”.. رغم وجود مادة في القانون – رقم 1 ضمن القانون 26 – تحظر تهريب أو بيع التبغ والتنباك والسجائر غير النظامية، وتنص عقوبتها على غرامة مالية قدرها ثلاثة أمثال قيمة الكمية المهربة والمضبوطة ومصادرة هذه الكمية لصالح المؤسسة العامة للتبغ.
ومع نقص الحلول وضعفها في مساعدة مزارعي التبغ، يبرر المزارع والتاجر لنفسه عمليات البيع “الحرة” على اعتبار أن تجارة الدخان صارت مهنة للبعض خصوصاً في مناطق الساحل السوري، إضافة لكونها مصدر ربح أكبر بالنسبة للمزارعين الذين يبحثون اليوم عن حلول بديلة تمكنهم من استمرار العمل بأراضيهم تحت وطأة الظروف القاسية، وتحقق لهم المزيد من الربح.
وجدير بالذكر أن السوق “الحرة” للدخان العربي أو البلدي، ليست نتيجة للحرب وتداعياتها وحسب، بل موجودة منذ زمن بعيد وحتى ما قبل عام 2011، ولا يمكن ربطها كنتيجة للأزمة الاقتصادية أو الظروف الزراعية الصعبة، بل مهنة امتهنها بعض أبناء القرى والفقراء عرفاً نظراً للحاجة والقلة.